الاثنين، 27 يوليو 2015

رصيف الفياض .. بين رائحة الجذور واصوات الجياع ! قراءة نقدية .. نعمة يوسف بغداد - هولند/ الشاعرة عبد الجبار الفياض / العراق


رصيف الفياض ..
بين رائحة الجذور واصوات الجياع !
قراءة نقدية .. نعمة يوسف
بغداد - هولندا
أخذ من كل شى
أمتد بعمره يحمل كل شئ
حفظ كل شئ
لا غبار زمن
يمحو كل شئ ..
حينما نتطلع الى المناهج النقدية التي تتعامل مع الإبداع الأدبي في الماضي او اليوم او منذ ان بدءالانسان يميز الدراهم المزيفة والحقيقية ويمييز القبح في الجمال والجمال في القبح , ثم تعود ان ينطق الحكم الفني على ذلك التمييز, مع وضع التحليل والاشارة الى مواطن القوة والضعف والجمال والقبح , و بين الاختلافات والمختلف , وايهما يحمل صفة التفضيل الجمالي في عالمه الرحيب الواسع .
من هنا بدت لنا عملية النقد مقدسة وصعبة جدا لما تملكه من حياد واضح ,و ليست بسهلة لكونها ايضا تاخذ جوانب عديدة ومهمة وفي بالغ الاهمية , منها ما يتعلق في مجموعة من المناهج التي تبحث في شكل النص والموضوع ونؤشر على واحدة منها التي تتعلق في :
المنهج الاجتماعي الذي يرى في طبيعته أن الشعر هو منطق ذات الشاعر ومعاناته الشخصية , وايضا يشكل له مرآة عاكسة لكل الظواهر التي تنشأ في المجتمع نتيجة الانفتاح على البلدان القريبة او البعيدة او التغيرات الدراماتيكية التي تحصل نتيجة الصراعات , وبالتالي تولد افكار جديدة, افكار تحمل معها مظاهر سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية تؤثر في حياة الناس والمجتمع بشكل واضح , وايضا تؤثر على حياة الشاعر لتفاعله السريع مع مايدور حوله في الواقع المعيش ..
لذلك تتبلور له افكار جديدة وقراءات متعددة تصل الى حد التأويل في النص لاسباب عديدة منها القلق والخوف وعدم وجود الامان , يسقطها على مادته الشعرية فينتج لنا نصا شعريا تتشابك فيه كل هذه الظواهر التي رصدها او عاشها معا بعد سقوط الفاشية او بعدما يؤسس لنفسه مكان امن, لممارسة نشاطه واستخراج الخزين بقدحة واحدة في عمق الذاكرة .
ذاكرة الرصيف .. والعابرين الى السلام
ظلال عابرين
تستحم
تخرج من غير بلل
تعلن السورين3 الواحدة
يتبادل الحراس النوبة
الرصيف
يطبق جفنيه
صور
على ظمأ نهر في تنظيم سري
الصخب
يرحل بعيدا
ملصقات
من أوراق الشمس
ندية بعرق زنزانات بلا رموش
توسدتها أرقام
تنبت في صخر
تغسل شبابيك العشق كل صباح
لعل خبرا ينسيها بعضا من ليل لا تشرخه إلآ أصوات
يعرفها الجياع فقط !
ومانص الرصيف الا شريطا سينمائيا - فنيا - سياسيا بحتا- اجتماعيا - واقعيا - يعبر عن هوية البصرة تلك المدينة التي تضج بالمناضلين الثوريين وفي الوقت نفسه هو اشارة الى تسجيل لحركة ا لتاريخ والاحداث التي اشعلت النص صراعا من خلال صور شعرية مفعمة بالحوارات والتساؤلات انبثقت من ذلك الرصيف الذي كان يشكل مقهى للثقافة الوطنية والفكر الجديد بتفاعل شخصياته وما يحدث في ذلك المكان من ضغوطات من قبل رجال السلطة !
صور شعرية اضافت الى النص والواقع في ان واحد قوة ورصانه صدقا وامانه !
الرصيف البصري .. و نيرون الفاشي !
لروما أن تلقى في نهر التيبر 4
غبش زوال
تضاجع أباها سدوم .
إلى كهفهم
يأوي الفتية من غير رجوع ..
لولا أبتلع مفتوح متكأ
وأصحابه
نهر العشار ..
وتموت معهم صحف
لا تصمت ..
ترقبها ذيول
لا تعلو مكنسة ..
وتخفيها جيوب
زادا يوميا له لون أرض
رائحة جذور ..
دخان لفافة
يتلاشى في قدح شاي مدفوع من آخر ..
ونحن نبحث هنا في فحوى هذا النص أو السفر التاريخي ( الرصيف ) في حياة البصريين , نجد الان الكثير من الشعراء قد تأثروا في الواقع المعيش السياسي تحديدا وحفروا في ذاكرتهم احداث وافعال وصور نقشت على جدران الروح ولم تكتب وتدون الا بعد حين بعد زوال الخطر الذي كان يحدق بالشاعر حينئذ بسبب بطش السلطة .ومن هؤلاء الشعراء الشاعر الجليل عبد الجبار الفياض !!.
اليوم يطل علينا الفياض برصيفه وسجله المملوء بالغضب والالم , ليقدم لنا مؤلفا جديدا من مخطوطة عراقية جنوبية ترسم لنا الحياة والتناقضات والمطاردات بين الوعي والفكر الانساني التقدمي وبين رجعية السلطة الدكتاتورية, التي تركت ندب كثيرة في جسد الثقافة العراقية التي ينتمي اليها شاعرنا الفياض واخرون ..
أوراق .. الرصيف
أوراق ..
تتخلى عن خريفها قبل أن يمسها سهم !
صفر
تأكل الأخضر
وتلوذ بطقوس
وعاظ
يعلقون اليوم بمسمار امس
أزالوا الكحل عن عيون لياليه
سرقوا خاتم عرسه
قطعوا أوتار أنسه
طحنوا (الحبوبي) 5 طعما للرياح . . .
دمع للعشار
قلب !
ولانه من المؤلم جدا ان يتحدث النص عن حقبة تاريخية ماساويه تشكل له سنوات (الجمر العصيبة ) التي مرت بها مدينته البصرة في زمن الصراع السياسي مع الدكتاتورية البغيضة والقوى الوطنية حينئذ ! لذلك نجده يفيض بكل معاني الشعر والتالق بين الصورة والحدث , بين الفعل ورد الفعل .. بين شخصياته التي كانت تسكن الرصيف ماوى لها بالقرب من سمبوسة ابو عباس :
شخصيات الرصيف والذاكرة الجمعية البصرية !
ما زالت كان
قمقما
يحبس جودو
مبخرة
في عودة سندباد
صندوقا لشهرزاد
أبو عباس
(بسمبوسته)
يلف ألما بصريا
تسد ثقب جوع متسول
تومان 6
يعزف روحه على شفة ناي وجعا
ينتقل بالعدوى
كأن زوربا
ومريام كيبا8
يشاركانه الهيوا في طقس ممنوع
فالجروح أمم !
في كل لحظة ينطلق منها الفياض بنصه هذا معتمدا على ذاكرته الجياشة متاثرا في تلك الحقبة من الزمن التي لسعته جمراتها , حقبة كانت تاشر اليه بمرارة الحياة السياسية , وعلى بيئة كان الصراع فيها سياسي فقط اكثر من اي الصراعات !
بينما الجانب الاجتماعي كان يشكل نقطة الامان للشاعر في نصه هذا لانه ركز على الزمان والمكان وحتمية زوال الدكتاتورية والتاكيد على ان الفكر الانساني لايموت .
من خلال ارتباط الشعر بالبيئة ذاك الارتباط الجدلي ومن الامان والهدوء انطلق ليسجل له وطن جديد هو النص ليدون فيه سر ماراى وعاشه !
الهوامش بالارقام ..
1_ هورصيف اسمنتي يقع في ضفة نهرالعشار مقابل ساعة السورين الشهيرة. يجتمع عنده مثقفو البصرة في بحر ستينات القرن الماضي وما بعدها.
5_ كلمة تودد عند البصريين .
4_ اطول الأنهار في ايطاليا .
2_ رياح جنوبية رطبة .
3_ ساعة على نصب كبير تعد من معالم البصرة وقد أزيلت من قبل مسؤولين يجهلون قيمة التراث. ولدت العام1906
6_ يعمل السنبوسة الشهيرة في محل صغير تحت بناية النقيب . يقصده البصريون للذة مأكوله ورخصه .
7_ فنان بصري شعبي يحبه الجميع .عرف بعزفه لآلة الناي بأنفه .
8_ مغنية معروفة من جنوب افريقيا سحبت منها الجنسية من قبل السلطات العنصرية. كانت في صفوف الثوار حتى الانتصار اطلق عليها مانديلا لقب(ما ما إفريقيا)


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق