الجمعة، 26 فبراير 2016

ربما..ولكن..أو قد يكون!/ قصة قصيرة / الصحيفة والكاتبة / شذى فرج / العراق ....

ربما..ولكن..أو قد يكون!
شذى فرج
على طاولة في مطعم قريب لمكان عمله..جلسا سوية لتناول وجبة غذاء كانا قد اعتادا الجلوس فيها ..ورغم الضوضاء وضجت المكان المحفة حولهما..إلا ان هناك ثمة حديث ذو شجون يتحول بين الفينة والأخرى الى همهمت عتاب ..ظلت تصدر من ذلك الركن البعيد الذي انزويا به بعيدا عن مرأى الآخرين..حديث معتاد..كلماته مفعمة بالحب..وتارة عن رتابة العمل..وفي أخره تجليات لأمنيات كانا قد رسموها طيلة فترة تعارفهما منذ سنتين مضت..هذا بالإضافة الى أسماء شخوص هم الآن يركبون متون رحلة الماضي .
قبل ان ينادي هو النادل لتلبية طلباتهما همس بإذنيها..وبهدوء:
- قبل أيام وربما بضعة من الشهر على الأقل..مررت بصفحتها صدفة..وانتهي الأمر عند ذلك
-أو لما تخبرني بأنها كانت قد حضرتك قبل أسبوع؟
-نعم حدث ذلك..ولكنها تبدو أنها عادت لترفع الحضر عني..فأصبح من الممكن رؤية صفحتها..ولكن بحذر شديد
- وما الدافع الذي جعلك تزور صفحتها..؟ اهو اشتياقا..أم ان حنين مباغت قد هزك لها. .؟
- صدقيني لا هذا.. ولا ذاك..ولا أي من الذي يخطر ببالك من سوء ظنون
- وما تسميه هذا أذن..؟
- ربما شيء من الفضول
- لعلك أردت رؤية وجهها..أو تراءت لك نوع أابتسامتها وضحكتها العريضة الجميلة لتتنعم بهذه الثروة العظيمة..؟
- لا اعرف..!
سكتت برهة..وراح سيل من الدموع ينهمر بلا توقف..بينما أصرت هي على إخفائه خلف إطار نظارتها الجميلة السوداء كي لا تبدو واضحة للعيان..ولكن محاولتها هذه جاءت بالفشل ..مما اضطرها الى نزعها بكف يدها اليمنى..بينما امتد كفها الأيسر بروية متناولا كم من المناديل الورقية من صندوقه المتاخم في نهاية الطاولة لتمسح ما تبقى من دموعها التي رطبت جفونها..وتعكف بعد ذلك الى أن تمد إحدى يديها لحقيبتها مخرجة منها مرآة صغيرة..محاولة منها مسح سيل الكحل الجارف..بلونها الأسود.
أزاح كرسيه قليلا الى الخلف واضع رجليه ساق على ساق..متمتم بقليل من الكلمات علها تخفف القليل من بكائها الذي أصبح فاضح للعيان..قائلا لها بنبرة تطغي عليها الكثير من الحنين: 
-كم اكرهها.. بل وامقتها أيضا..بحيث إني لم اكره أحدا بحياتي مثلها .. لعلها وفي فترة ما ..كانت حبيبتي..أو ربما في لحظة غافلة اتخذتها عشيقة لي.. ولكن صدقيني انها قد خرجت نهائيا من حياتي..ولم اعد حتى لي الرغبة بالحديث أو الكلام معها..!
وهنا تذكر كيف كانا قد تسللا بخفية عن أنظار أصدقائهما من صفحات التواصل..ليمضيان وقتهما بعيدا بالتحدث عبر الهاتف لساعات خلت..عن السمار..العشق..والحب..والوله حتى يأذن لهما الفجر.
كان مولعا جدا بها..كان يراها أجمل الجميلات رغم انه لم يلتقي بها قط في ..كانت..بل ولا زالت قهقهات ضحكتها وصوتها الرخيم يرنان في صم شحمة أذنيه..وهكذا يستمر باستذكارها ..وكأنه يتحدث لظلها من خلال نفسه.
ربما حسنا فعل..فنحن ومن الضروري جدا بحاجة دوما للكلام لأنفسنا..وأحيانا بودنا ان نصرخ لنفز الهاجعين من غفوتهم..بصوت جدا عالي عن كل ما دار..ويدور في فلك يومياتنا الماضية المضنية بالهجران والفراق.. وباضطرار عفوي..نبوح به لا نفسنا في وحدتنا..في صمتنا ..أو ربما علنا لنفرغ جحور تلك الذاكرة المملية بإحداث جمة ..تخفيفا من وطأة أعباء عادت لتكون ثقلا وخيم في الذاكرة..والتي تحولت بالتالي الى حزمة من الشوائب أو الفيروسات..بات علينا بالفعل طردها نهائيا وعدم العودة لها مجددا كي نكف وفي نهاية الأمر عن الكلام عنها.
حياتنا مليئة بالإحداث..والناس يدخلون فيها ويخرجون بلا هوادة كلا على هواه..وكل بمسماه.
نعم ربما كانت هي حبيبته..لفترة فيما مضى..؟
وربما من يتحدث لها ستكون..نعمة لإنقاذه من وحدته المهووسة بها..؟
ربما..وربما..ولكن..قد يكون..؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق