الدراما العراقية مابين الماضي والحاضر
الكاتبة : اسراء العبيدي
إنطلقت الدراما العراقية من خلال القنوات الفضائية العراقية في السباق الرمضاني التنافسي. وسنحت الفرص للممثلين الموجودين داخل وخارج العراق أن يساهموا بأكثر من مسلسل واحد . كما وشهد هذا الموسم عودة نخبة من النجوم العراقيين الكبار الذين غابوا عن الساحة الفنية لسنوات طويلة. . واتيحت الفرص للجميع بالعمل من كتاب ومخرجين وفنيين . وكانت هنالك شبه عملية تنافسية بين القنوات المنتجة . وهذا شيء جيد وخصوصا بعد توقف عجلة الدراما لسنوات.
حيث يعد موسم رمضان هذه السنة من اكثر المواسم الرمضانية غزارة في الدراما العراقية. إلا إن الانتاج واجه هنالك بعض الانتقادات من نقاد ومتابعين على حد سواء . وإن عشرات الأعمال الدرامية العراقية بدأ عرضها في شهر رمضان ، تنوّعت ما بين مسلسلات تلفزيونية تحاكي الواقع العراقي . وبرامج كوميدية ساخرة سلّطت الضوء على مجموعة من القضايا التي تلامس المجتمع . وتنتقد الأوضاع في البلاد بنكهة كوميدية ساخرة لافتة للنظر. ومجموعة من برامج الفوازير الرمضانية والمسابقات بالنكهة العراقية.
حيث أن مجموعة قنوات الشرقية وmbc عراق استحوذتا على الكم الأكبر من حجم الإنتاج الدرامي في رمضان هذه السنة . وإن قناة الشرقية أنتجت عدة أعمال هذا العام استقطبت كثيرًا من الاهتمام والمتابعة، مثل مسلسل هوى بغداد والفندق وشلع قلع وباكو بغداد ولخة، فيما أنتجت mbc عراق مسلسلات العرضحالچي وحامض حلو، واكتفت قناة العراقية بإنتاج مسلسل "أيام الإجازة 2" الذي يعد امتدادًا لجزء أول عرض في ثمانينيات القرن الماضي.
وبالحديث عن دراما اليوم فإنها للأسف لاترتقي إلى مستوى الطموح فلو قارنا الأعمال الفنية المقدمة بين اعمال اليوم وبين أعمال ما قبل 2003 .لوجدنا ان اعمال اليوم أصبحت جميعها تتناول المواضيع السياسية والمواضيع التي تركز على إظهار سلبيات نظام الحكم السياسي السابق في العراق .وتتناول القتل والخطف والدماء والتدمير وكأن البلاد قد خلت من الحب والرومانسية والمشاعر ، فدراما اليوم لا تتناول غير الجانب السياسي في العراق ولاتتحدث عن هموم المجتمع ومشاكل الشباب والمرأة العراقية وتعاني من التكرار في مواضيعها . كما وتعاني من أزمة كبيرة بالنصوص عكس كتاب السيناريوهات قديما .فأنا أميل للنص الدرامي الذي يحمل التشويق والحب الذي فيه رسالة هادفة وبه أشياء تسعد العائلة العراقية بعيدا عن لغة الدم والقتل والعنف.
في ضوء كل ماتقدم نجد إن كل ماتحتاجه دراما اليوم هي النصوص الجيدة والانتاج المفتوح وفضاء من الحرية لترتقي وتكون بمستوى الاعمال العربية ، . فلو أجرينا مقارنة مابين دراما زمان ودراما اليوم فإن أهم مايميزها هو الواقع الملموس والجرأة والحب الحقيقي ، رغم إنه كانت تنقصهم الامكانيات والمعدات والتكنولوجيا الحديثة ،لكنها كانت تتناول قضايا اجتماعية وانسانية. أما دراما اليوم أصبحت شيئا خيالي وواقع كاذب يستمد أفكاره من الغرب . على عكس الدراما العراقية القديمة التي كان إيقاعها ينسجم انسجاما كاملا مع موجودات المشاهد العراقي وبيئته وفكره وضميره . وإحساسه بالموجودات اليومية وهمومه لذلك بقيت في أذهان المشاهد العراقي . الأمر الذي يجعلنا اليوم نتسائل لماذا لا نرى الصدق في الأداء والتعبير الشخصي في الأعمال الفنية الحالية . أعتقد إن الخلل ليس في الفنان ذاته وإنما يعود السبب إلى سياسة القناة التي تقوم بإنتاج وعرض المسلسل ،لأنها تعتبر هذه المشاعر هي ضد الدين والعرف والتقاليد .
ومن أجمل المسلسلات في منتصف التسعينات مسلسل "رجال الضل" التي كان أجمل مايميزها الموسيقى التصويرية للمسلسل . وهي من تأليف الموسيقار العراقي رائد جورج والتي فازت بالجائزة الذهبية في مهرجان السينما والمسرح في القاهرة عام 1997بتوقيع الموسيقار المصري البارز عمار الشريعي . طبعا هذا أجمل مايميز دراما زمان الموسيقى التصويرية للمسلسل .فمن منا ينسى موسيقى مسلسل ذئاب الليل للموسيقار العراقي نصير شمة ، ولكن اليوم نجد هنالك اغنية لمسلسل كوميدي ساخر "لخة"عنوانها (اني شمفتهم من حياتي غير الضيم ) وهذا الشيء صادم مقارنة بأغاني تترات دراما الزمان المحفورة بالذاكرة العراقية. والآن إليكم نقد سريع لموسم رمضان ٢٠١٩ أبدأه بمسلسل لخة . المسلسل فيه ضعف الفكرة وعدم وضوحها، وطريقة التمثيل مبالغة وغير مقنعة لأنها مقتبسة من مسلسلات أجنبية، دون التمكن من إجادة الطريقة بالشكل الأمثل“. لذلك لم اتابع منه سوى حلقة واحدة وتركته. مسلسل العرضحالجي فيه السيناريو فقير .وجاءت احداث المسلسل بطيئة رتيبة تخلو من الحوار الهادف . ولم نجد اي عنصر تشويق فيه سوى اغنية المسلسل للفنان حاتم العراقي كانت موفقة وجميلة ولاقت استحسانا كبيرا . مسلسل "شلع قلع" المسلسل الذي يعرض في كل حلقة منه مشكلة أو قضية اجتماعية، أخرجه سامر حكمت وكتبه حسين النجار وحامد المالكي .طرح مواضيع عدة بأسلوب واقعي حقيقي ويستهوي المشاهد العراقي ، ولكن من وجهة نضري أرى ان مسلسل "حامض حلو" تفوق على مسلسل "شلع قلع " باغنية شارة المسلسل رغم إنه الكثير ذهب ليقول ان مسلسل " حامض حلو " تقليد لفكرة مسلسل "زرق ورق" ، ولكني وجدته ممتعا وشيقا لأن دور البطولة لم ينحصر بممثل واحد بل بإشتراك مجموعة كبيرة من الممثلين العراقيين المبدعين. وليس هذا فقط بل إنه امتاز بتقديم الكوميديا الهادفة وبلا تهريج والعودة بها إلى أصلها. كوميديا الموقف لا الألفاظ السوقية.
مسلسل " هوى بغداد " الجميل فيه عرض بغداد بصورة جميلة لم نراها من قبل، إلا أنه افتقر إلى التنسيق في الأزياء، ففي عدد من الحلقات كانت أزياء الأبطال لا تناسب شخصياتهم .وايضا يوجد خلل بالصوت وكأنما المسلسل مدبلج والاصوات ليست اصوات بطلي المسلسل ، ولكن هنالك مايميز مسلسل هوى بغداد عن باقي المسلسلات هو المهارة بالتصوير والرؤية الإخراجية الرائعة، حيث أبدع المخرج في التصوير الجوي لإبراز جماليات المكان من الجو وهذا اول مسلسل عراقي يعتمد اسلوب التصوير الجوي بهذه الطريقة الجميلة .وتلك الميزة أعطت جمالية للمشاهد وهو يرى جماليات المكان بوضع عين الطائر. ولم يكتفِ المخرج بذلك بل اشتغل على جماليات الإضاءة وانعكاساتها في الشارع والبيوت والأزقة القديمة .كما في مشهد القوارب المضيئة في النهر حيث قدم مشهد وكأنه حلم أو طيف يمر بعروس في نهر دجلة الخالد .وهذا ما لم يفعلهُ اي مخرج عراقي وعربي من قبل.
مسلسل باكو بغداد ومسلسل ايام الاجازة لم اتابعهما كي ابدي رأي بهما ، ولكني اعتقد إن ظهور الفنان محمد حسين عبد الرحيم وهناء محمد للشاشة وجواد الشكرجي ومحسن العلي هو بالشيء السار وخصوصا بعد غيابهم لسنوات طويلة . وإن عودتهم للشاشة تعني بث روح جديدة في الدرما العراقية.
وأخيرا مسلسل" الفندق " تأليف حامد المالكي واخراج حسن حسني . حيث تناول البذرة الغامضة لبغداد وتشابكها مع الاتجار بالبشر . وركز على القضايا الاجتماعية مثلا الدعارة والمخدرات وتجارة الأعضاء البشرية، ولمّح الى ان وراءها سياسيون فاسدون، وفي هذا جرأة لحقيقة واقعة . و بهذا تكتمل قيمة العمل و هذا هو الغائب في المتلقي العربي لمثل هذه الاعمال . و التي توجه الى شرائح متنوعة من المجتمع و بالتالي تمرر رسائل مهمة و تناول ظواهر اجتماعية تقض مضجع الانسان العربي سواء كان فردا ام اسرة ام قبيلة ام امة .
دراما اليوم هي دراما التفاصيل . وتفاصيل التفاصيل سواء في السيناريو أو الاخراج ولاترتقي إلى المستوى المطلوب بعد أن كانت الدراما العراقية اكثر تميزا وتحتل المركز الثالث بعد مصر وسوريا خاصة في سبعينات وثمانينات القرن الماضي. نجدها اليوم تعاني من تراجع الحضور في المشهد العربي . أما بالنسبة للجمهور المتابع فاغلبه من العراقيين والجمهور العربي بعيد جدا عن الدراما العراقية . بسبب أن اغلب المواضيع التي تتناولها الدراما العراقية هي مواضيع محلية وينقصها الإنتاج لمواضيع إنسانية مهمة ترتقي إلى مستوى الإنسان، كما أن ضعف الإنتاج يؤثر كثيرا على تسويق المسلسلات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق