الأحد، 1 سبتمبر 2019

خاص / فنون / متابعات فنية للصحيفة حميدة الكعبي / مفهوم الشخصيات الكارتونية وشخصيات أخرى بين الايجابي والسلبي وبين الحاضر والماضي,,,,,,,,,,,,,,,,,,

إدارة مؤسسة فنون الثقافية العربية
صحيفة فنون الثقافية
متابعة الصحفية /حميدة الكعبي
مفهوم الشخصيات الكارتونية وشخصيات أخرى بين الايجابي والسلبي وبين الحاضر والماضي
بقلم /الكاتب.. جاسم جمعة الكعبي
غدا أمسي قريبا بعد ان تجمدت صورة الواقع التي لم تنجب صورا وشخصيات تنافس الماضي القريب، فظل السندباد متصدرا قائمة المغامرين، وعلي بابا ذلك اللص الظريف صديق الفقراء، وعلاء الدين الذي صادق الجن وملكهم شابا، وآثر الحكمة شيخا، كما تطفو على سطح ذاكرة الرجولة شخصية شاه بندر التجار، بفراسته المعهودة وابنته الجميلة المدللة وماله الوفير، ولا يفوتني ذكر البهلول وقضاؤه العادل ولطافة حكمه، وذلك المسكين جحا الذي تحمل أخطاء الجميع، والكثير من الصور التي رسمها الذهن المهزوم او شكلها الواقع الضبابي، نتيجة تعادل القوى التي تفرز حروبا وحصارا وكوارث وشخصيات كارتونية، سرعان ما تختفي مع طلوع الشمس.
إن من اخطر ما يمر على الشعوب انقلاب المفاهيم، فقد غادر الفرد امس ذكرياته، بعد ان شوهها الواقع من خلال تطابق النماذج بين الماضي والحاضر، فـ "جيمس بوند" لم يختلف كثيرا عن السندباد، ولا العميل 007 ذلك الذي لا يموت ويخرج في أي بلد بإمكانيات هائلة، ليكون بين ليلة وضحاها صديق الملك والمقرب من السذج، ليخرج منتصرا بعد ان يسلم موارد البلاد والعباد الى عبدة الطاغوت. ولا يختلف علي بابا عن صاحبه روبن هود، والطيور على أشكالها تقع، فما أنفك علي بابا من اختراق القوانين وقطع الطرق وسرقة اموال معارضيه، ليطعم فقراء الناس وصعاليك القوم، ليخلط الحابل بالنابل، دون ان يضع حدودا وشروطا لأي عمل يقوم به، حتى يصبح مبسوط اليد، والذي طالما اخاف الفقراء بقصص وخرافات تبني مفهوم صورة الفرد المنقذ في شخصه الوحيد.
وفي مقام أخر لمن منحته الظروف بعد ان اسرف وخاض في مقدرات الشعوب، ليكون بعد ذلك المستشار والامين المخلص للمزارع والسراق، لما يمتلكه من خبرة في ادارة شؤون الناس، ذلك الشخص هو علاء الدين الذي اضطهد الحاكم وأزاحه عن ملكه بالترهيب والترغيب والسحر والشعوذة، حتى زوجه ابنته وألبسه تاجه.
الغاية مما ذكرت انفا، ان تلك الشخصيات هي مؤشرات يجب ملاحظتها، لأن نشوءها في المجتمع يدل على انهيار المنظومة الحاكمة، او زيادة الصراع بين افراد الحكم الواحد نتيجة الضغوط الإقليمية، وتزايد التحديات التي من شأنها تمزيق القرار، كما انها نذير شؤم عن تفشي الامراض اللاأخلاقية لتسقط كل الأنظمة الداخلية مثل الصحة والتعليم والقضاء.
ومن اجل وقاية المجتمع عند انقلاب المفاهيم وتزايد التحديات، يجب ان نضع كل شيء في موضعه الحقيقي، وبالتحديد في النقاط الحرجة ونقاط الانقلاب، ولا يمكن ذلك دون تصنيف الاشياء وتبويبها، فيأتي الوصف أولا، والوظيفة بمهامها ثانيا، والتميز بين الاعمال ومقدماتها، فمثلا اختفى من مفردات الناس الكلامية والتي تؤثر على منطق أدراكهم للمواقف وهي تعتبر مقدمات (الحيف. المراء. الريب. المعرة...الخ..) على سبيل المثال للحصر، وهذه مؤشرات ايضا تبين مدى تزاحم الاشياء في ذهن شعوب المرحلة الراهنة، ما ينتج عنه عدم إدراكها للواقع وتبدد أحلامها، الأمر الذي ألجأها الى الوقوف على التل أسلم، كما سوف يلوذ الاغلب بالقول المشهور (سوء الظن من حسن الفطن) حفاظا على ما تبقى، ونتيجة لذلك نكون في أرض يباب وعصر سباب. فالحيف بداية الظلم، والريب بداية الشك، والمراء بداية التخبط الذي يوقعنا في الخطأ، والمعرة مقدمة لبناء الحاجز للعمل بلا احتياط، وكثيرة هي الامثال التي جعلت الاعمال بلا مقدمات، والتي من شأنها الحفاظ على مسافة ثابتة بين الأشياء، وبالتالي امكانية اصلاح الامر قبل عطبه.
لكن، كيف يكون حال الاغلب في موسم جني الثمار الذي يصيب الكثير بالهلع، والتفكير بالارباح يفقدهم صبرهم، فيخرج الأغلب عن مساره وبسبب فقدان تلك المفردات في اجواء ضبابية، تنشأ الشخصيات الكارتونية فيصبح الإخلاص شهيد الجهل وان كانت النيات طيبة. فإن التأني مع ظهور البرهان، وامتلاك الدليل وأسبابه الواضحة الجلية، ليس موجبا لإصدار الحكم حتى تستكمل الخطوات المحددة له من سماع ومشاهدة وبيان، ولا تستنطق الاحكام استدراجا من خلال أدخال حيثية غير موجبة، تقدح في عدالة الحاكم كما حدث مع نبي الله داود عليه السلام، فأسرع عند ظهور الأمر جليا، وادخل أمرا غير موجب، ولم يسمع الطرف الآخر، فعاتبه الله على ذلك، ومن أحسن من داود الاواب (سلام الله عليه).
وبعكس ذلك فإن سليمان كان شديد الحفاظ على إطلاق الحكم، رغم الأدلة والبراهين التي قدمها الهدهد، ليس لعدم صدق الهدهد، ولكن القضية أصبحت لا تخص فردا بل قضية مصيرية.. "قال فننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين".
فمهمة العدل وضع الشيء في موضعه، والفصل بين الاعمال ومقدماتها، فكما قالت الزهراء سلام الله عليها: "فجعل العدل تنسيقا للقلوب".
وبذلك نبعد التزاحم وتطمئن النفوس، وهذه الحالة ممكن ان ننتفع من انعكاساتها على الكثير من المفاصل، بتسليط الضوء على مناطق الجهل في زوايا العقل المظلمة، قبل زوايا الواقع، وهذا يحول دون نشوء هذه الشخصيات الكارتونية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق