الورقة النقدية التي قدمها مشكورا الناقد قاسم فنجان عن عرض مسرحية ( الحافة ) خلال المهرجان المسرحي السنوي لوزارة التربية / العراق
الحافة
تأليف : عباس الحربي
أخراج : د خضر عبد خضير
من النص :
قالت سعدة الساحرة لعناية أخت سويلم،إشربي هذا السحر المعمول من بارود المعارك،المخلوط بحفنة من كافور محارب مات تواً،ما إن شربت عناية هذا السحر فأنتفخت بطنها وحبلت،فعل إقترحته مخيلة الكاتب عباس الحربي للولوج الى وعي المتلقي بغرائبية،فعل عبثي في فحواه لأنه يشير لدمار وأنكسار وعار،تجسده رحلة لأخوَين يتجهان بعربة صوب مقبرة تقع على حافة العالم،تضم في ثراها اللزج رفاة أعزائهم الغابرين،أب وأم وأخ،ذهب الى الحرب حياً وعاد منها ميتاً،ليبقى أخاه سويلم وحيداً ينوء بحمل عار أخته الحبلى عناية،يسألها سويلم،ياعناية من أين جاءت هذه النطفة النجسة؟فتجيبه"حين طال غياب أبن قريتنا ولم نسمع خبراً موته ولا عودته،ولمّا كان العشق عيباً،همستُ بأذن جدتي فأكتفت بصفعي بكفها الخالية من اللحم،ثم رمتني بين يدّي الساحرة سعدة التي قالت،إشربي هذا السحر المعمول من بارود المعارك،المخلوط بحفنة من كافور محارب مات تواً،ما إن شربت هذا السحر حتى أنتفخت بطني وحبلت.
قال لها سويلم : لِمَ لم تقطعي شكي وتقولي الحقيقة ؟
قالت عناية : سأقطع شكك بيدي هذه وأنتحرت وتناثر الريش من بطنها على مرأى من أخيها سويلم المندهش .
من العرض :
عربة تشير الى سريان الزمن بسرعة والوصول الى حافة العالم،حيث تنام على سفحه مقبرة لايمكن ان تكون في وادي السلام أو في أي مكان معلوم،انه اشتراط لمكان مجازي لجأ إليه الكاتب ليستوعب غرائبية حكايته،استخدمه المخرج فيما بعد ليشركنا معه في رحلة غايتها الموت،أية جغرافية عدمية تلك التي رسمتها مخيلة كاتب حاذق،شاكسته مخيلة مخرج رأى في النص نصا آخرا مكبلاً بنظام سردي صارم،فككه وأقترح للعرض نهاية أخرى،عمّمها لئلا يقتصر معناها على مفردة الحرب المستهلكة،بل تعدته لتصبح حكاية كونية،جاءت على لسان البطلة في نهاية العرض،على هيئة خسارات وأنكسارات وأزمات وأنتهاكات وسرقات،إختزلها النص في مفردة قبيحة ومقززة "قيح" خليط من البشاعة والقذارة والعفن والدود،يتكدس في بطن الجمال المتمثل بالمرأة"عناية"ويستحيل بعدها الى حمل خطير.
تضاد قام عليه عرض الحافة بين القبح والجمال والضعف والقوة والأمل واليأس والموت والحياة،انها منظومة من الدلالات المتنوعة وضعها المخرج خضر خضير بعناية فائقة في فضاء العرض،مؤسساً لها جغرافية معتمة تؤكد على عدمية الحكاية وتتماشى مع غرابتها في بلاط مغطى بقماش مألوف للمتلقي يشير لونه ونوعه الى العزاء،سرداق عزاء يتوسطه مصباح أصفر خافت،يشير الى نفاد الحياة التدريجي،يتحول الى قفص لقبر الأم،قفص القبر يتحول الى غرفة في بيت،قبور موشحة ببياض تتوزع بأنتظام في فضاء المقبرة المعتم،تزلزلها مفردة "الحرب" فترتعش القبور بموتاها،قبر يعتدل من الأرض ويتسامى منه دخان نوري يشير الى روح الأم ومكانتها المقدسة،إمرأة تتيمم بتراب القبر لتطهر جسدها الآثم من حمله الحرام،منبر عزاء يخترق الفضاء قبل نهاية العرض بقليل،يعتليه "سويلم" مثل أي خطيب ديني ليقرأ الفاتحة مقطعّة قبل حلول الخاتمة .
تحل الخاتمة وتحاصر عناية أخاها سويلم بكل قيحها المحمول في بطنها المنتفخة،تتلو عليه انكساراته واستسلاماته وتطرح امامه كل خساراته عبر لازمة تتكرر بقوة"شلون ما أحبل"ينهار على الأرض وينكفئ على وجهه بعد أن يعترف بأن حصانه فاطس ورجولته مهشمة ولم يعد يرى في نفسه ذكرا،ليبدأ القيح هنا بالتحول إليه أيضاً،كنوع من العقاب السادي له في مشهد رائع يفاجأنا المخرج به،حينما يحمل"سويلم"وتتنتفخ بطنه بالحرام مثل اخته"عناية"،ليبدأ المخاض العسير لهما بالدوران حول العربة أو القفص أو الضريح والله والمخرج أعلم،إن هذا الحمل الذكوري دلالة إنسانية تحسب لمخرجها،لأنها علامة صورية قاسية نعلن للرائي عن هول ماوصل اليه الأنسان والأنسان العراقي حصراً.
ماللعرض وماعليه ..
له إقتراح النهاية المغايرة لنهاية النص في العرض من خلال اضافة سردية ناجحة،تؤكد ان الألمام بالكتابة المسرحية ولو بشكلها البسيط تعتبر من إشتراطات المخرج الناجح في بعض العروض،كما له أيضاً الأستخدام المؤثر للسنوغرافيا وتحريكه للكتل بشكل علمي ودقيق ومؤثر.
أما ماعليه فثمة فجوة في التمثيل لاحت في أكثر من موضع من العرض،كان على المخرج أن يطمرها فالفعل الحكائي لنص الحربي فعل إنساني خطير،أخ أكلت الحرب أخاه ولم يتبق له بعد موت أمه وأبيه إلا أخت يقرر أن يذبحها،كيف لم يستغل المخرج جمرة عرضه المتقدة النجمة "آلاء نجم" في طمر تلك الهوة في خلق مشاهد حميمية لا سيما في تداعياتهما بالطفولة والماضي السعيد ليشعلنا معها بالحنين،لقد أكتفى المخرج بأغنية لسعت قلوبنا بحزنها ومرت سريعة مثل مطر الصيف،أما المنبروأقحامه في الفضاء فكان أشبه بكتلة فائضة إذا ماقورن فعله الواحد بفعل العربة المتعدد الوجوه،كان بأمكان المخرج أن يحافظ على الفضاء وأن يستحضر المنبر من أحد القبور أو من العربة أو من الفضاء وبذلك يحافظ على ميزانسين العرض المنتظم،لقد أنقطعت الأضاءة أثناء العرض لفترة وجيزة وأنقطعت الكهرباء أيضا وعادت سريعاً لكن العرض المسرحي لم ينقطع ولم يقطع متعته التي بثها للجميع من خلال عرضه حكاية موجعة قامت في ظل حافة كانت عراقية بأمتياز .
تأليف : عباس الحربي
أخراج : د خضر عبد خضير
من النص :
قالت سعدة الساحرة لعناية أخت سويلم،إشربي هذا السحر المعمول من بارود المعارك،المخلوط بحفنة من كافور محارب مات تواً،ما إن شربت عناية هذا السحر فأنتفخت بطنها وحبلت،فعل إقترحته مخيلة الكاتب عباس الحربي للولوج الى وعي المتلقي بغرائبية،فعل عبثي في فحواه لأنه يشير لدمار وأنكسار وعار،تجسده رحلة لأخوَين يتجهان بعربة صوب مقبرة تقع على حافة العالم،تضم في ثراها اللزج رفاة أعزائهم الغابرين،أب وأم وأخ،ذهب الى الحرب حياً وعاد منها ميتاً،ليبقى أخاه سويلم وحيداً ينوء بحمل عار أخته الحبلى عناية،يسألها سويلم،ياعناية من أين جاءت هذه النطفة النجسة؟فتجيبه"حين طال غياب أبن قريتنا ولم نسمع خبراً موته ولا عودته،ولمّا كان العشق عيباً،همستُ بأذن جدتي فأكتفت بصفعي بكفها الخالية من اللحم،ثم رمتني بين يدّي الساحرة سعدة التي قالت،إشربي هذا السحر المعمول من بارود المعارك،المخلوط بحفنة من كافور محارب مات تواً،ما إن شربت هذا السحر حتى أنتفخت بطني وحبلت.
قال لها سويلم : لِمَ لم تقطعي شكي وتقولي الحقيقة ؟
قالت عناية : سأقطع شكك بيدي هذه وأنتحرت وتناثر الريش من بطنها على مرأى من أخيها سويلم المندهش .
من العرض :
عربة تشير الى سريان الزمن بسرعة والوصول الى حافة العالم،حيث تنام على سفحه مقبرة لايمكن ان تكون في وادي السلام أو في أي مكان معلوم،انه اشتراط لمكان مجازي لجأ إليه الكاتب ليستوعب غرائبية حكايته،استخدمه المخرج فيما بعد ليشركنا معه في رحلة غايتها الموت،أية جغرافية عدمية تلك التي رسمتها مخيلة كاتب حاذق،شاكسته مخيلة مخرج رأى في النص نصا آخرا مكبلاً بنظام سردي صارم،فككه وأقترح للعرض نهاية أخرى،عمّمها لئلا يقتصر معناها على مفردة الحرب المستهلكة،بل تعدته لتصبح حكاية كونية،جاءت على لسان البطلة في نهاية العرض،على هيئة خسارات وأنكسارات وأزمات وأنتهاكات وسرقات،إختزلها النص في مفردة قبيحة ومقززة "قيح" خليط من البشاعة والقذارة والعفن والدود،يتكدس في بطن الجمال المتمثل بالمرأة"عناية"ويستحيل بعدها الى حمل خطير.
تضاد قام عليه عرض الحافة بين القبح والجمال والضعف والقوة والأمل واليأس والموت والحياة،انها منظومة من الدلالات المتنوعة وضعها المخرج خضر خضير بعناية فائقة في فضاء العرض،مؤسساً لها جغرافية معتمة تؤكد على عدمية الحكاية وتتماشى مع غرابتها في بلاط مغطى بقماش مألوف للمتلقي يشير لونه ونوعه الى العزاء،سرداق عزاء يتوسطه مصباح أصفر خافت،يشير الى نفاد الحياة التدريجي،يتحول الى قفص لقبر الأم،قفص القبر يتحول الى غرفة في بيت،قبور موشحة ببياض تتوزع بأنتظام في فضاء المقبرة المعتم،تزلزلها مفردة "الحرب" فترتعش القبور بموتاها،قبر يعتدل من الأرض ويتسامى منه دخان نوري يشير الى روح الأم ومكانتها المقدسة،إمرأة تتيمم بتراب القبر لتطهر جسدها الآثم من حمله الحرام،منبر عزاء يخترق الفضاء قبل نهاية العرض بقليل،يعتليه "سويلم" مثل أي خطيب ديني ليقرأ الفاتحة مقطعّة قبل حلول الخاتمة .
تحل الخاتمة وتحاصر عناية أخاها سويلم بكل قيحها المحمول في بطنها المنتفخة،تتلو عليه انكساراته واستسلاماته وتطرح امامه كل خساراته عبر لازمة تتكرر بقوة"شلون ما أحبل"ينهار على الأرض وينكفئ على وجهه بعد أن يعترف بأن حصانه فاطس ورجولته مهشمة ولم يعد يرى في نفسه ذكرا،ليبدأ القيح هنا بالتحول إليه أيضاً،كنوع من العقاب السادي له في مشهد رائع يفاجأنا المخرج به،حينما يحمل"سويلم"وتتنتفخ بطنه بالحرام مثل اخته"عناية"،ليبدأ المخاض العسير لهما بالدوران حول العربة أو القفص أو الضريح والله والمخرج أعلم،إن هذا الحمل الذكوري دلالة إنسانية تحسب لمخرجها،لأنها علامة صورية قاسية نعلن للرائي عن هول ماوصل اليه الأنسان والأنسان العراقي حصراً.
ماللعرض وماعليه ..
له إقتراح النهاية المغايرة لنهاية النص في العرض من خلال اضافة سردية ناجحة،تؤكد ان الألمام بالكتابة المسرحية ولو بشكلها البسيط تعتبر من إشتراطات المخرج الناجح في بعض العروض،كما له أيضاً الأستخدام المؤثر للسنوغرافيا وتحريكه للكتل بشكل علمي ودقيق ومؤثر.
أما ماعليه فثمة فجوة في التمثيل لاحت في أكثر من موضع من العرض،كان على المخرج أن يطمرها فالفعل الحكائي لنص الحربي فعل إنساني خطير،أخ أكلت الحرب أخاه ولم يتبق له بعد موت أمه وأبيه إلا أخت يقرر أن يذبحها،كيف لم يستغل المخرج جمرة عرضه المتقدة النجمة "آلاء نجم" في طمر تلك الهوة في خلق مشاهد حميمية لا سيما في تداعياتهما بالطفولة والماضي السعيد ليشعلنا معها بالحنين،لقد أكتفى المخرج بأغنية لسعت قلوبنا بحزنها ومرت سريعة مثل مطر الصيف،أما المنبروأقحامه في الفضاء فكان أشبه بكتلة فائضة إذا ماقورن فعله الواحد بفعل العربة المتعدد الوجوه،كان بأمكان المخرج أن يحافظ على الفضاء وأن يستحضر المنبر من أحد القبور أو من العربة أو من الفضاء وبذلك يحافظ على ميزانسين العرض المنتظم،لقد أنقطعت الأضاءة أثناء العرض لفترة وجيزة وأنقطعت الكهرباء أيضا وعادت سريعاً لكن العرض المسرحي لم ينقطع ولم يقطع متعته التي بثها للجميع من خلال عرضه حكاية موجعة قامت في ظل حافة كانت عراقية بأمتياز .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق