السبت، 3 أكتوبر 2015

كيف تخطى المسرح العراقي محلية الخطاب محي الدين زنكنة نموذجاً/ مقال الفنان والكاتب / سعد السعدون / العراق .....

كيف تخطى المسرح العراقي محلية الخطاب
محي الدين زنكنة نموذجاً

أفرزت مسيرة المسرح العراقي منذ نشأتها حتى الآن أكثر من مسار تمظهر بين التعرج والاستقامة وتلك الظاهرة تكاد تكون مرتبطة بمجمل الظروف الغير طبيعية التي خيمٌت على البلاد لعدة عقود خلت الأمر الذي ترك درجة عالية من القتامة على هيكلية العروض والنصوص المطروحة على الساحة المسرحية العراقية ومع تصاعد وتيرة التطور لم يعد المسرح ثمة خلاف حول ظاهرة اجتماعية وفكرية مرتبطة بالظروف الموضوعية للمجتمع وشديدة الاتصال بحركة تقدمه بل هو لاينفصل بأي حال من الأحوال عن قضية الحرية والديمقراطية فيه وبلدنا العراق بوصفه أكثر البلدان التي عانت من المظاهر اللاعصرية واللإنسانية بسبب غياب عناصر الحرية والديمقراطية والممارسة الحية لهما.والمسرح وهذا أمر معروف لايمكن النظر إليه وفي أسباب تقدمه أو تأخره بمعزل عن الفنون التعبيرية والتشكيلية الأخرى وأسباب تطورها وانكماشها واضمحلالها فهو يبقى إحدى اللبنات الأساسية التي تشكل الكيان الفوقي للمجتمع المعبر عن مجمل العلاقات الانتاجية في فترة زمنية معينة والمسرح يحتفظ بخصوصية تميزه عن سائر الفنون الأخرى واختلافه الجوهري عنها . والاختلاف والتميز عاملان يعودان إلى خصوصية المسرح نفسه بوصفه فناً له مزاياه وقواعده الخاصة كما أن له مناخه الخاص الذي يتنفس خلاله ومن خلال نظره مقارنة سريعة بين المسرح والفنون الأخرى نجد أن الفنون الأخرى كالقصة ، الشعر ، الرسم ، الموسيقى يمكنها أن تمرر رسائلها وتحقق وجودها في ظروف ينحسر فيها هامش الديمقراطية والحرية بيد أن المسرح يحتاج بشكل وآخر إلى مساحة من الحرية ليتمكن من خلالها التعبير عن واقع المجتمع وإذا أردنا الحديث عن واقع المسرحية كجنس أدبي في العراق لابد أن نستهل الحديث من خلال عدة مستويات ولاشك أن النص يعد من أهم الاستحقاقات التي تترتب عليها معادلة المسرح . والنص يعني بالضرورة المؤلف العراقي وقدرته الإبداعية ومن البديهي أن النص يشكل العمود الفقري للعرض المسرحي وكثيراً ما يعزوا النقاد والكتاب تردي الواقع المسرحي إلى ضعف النصوص المسرحية وسطحيتها وانغلاقها داخل محلية مقيتة . أما المخرجون فيشكون من ندرة النصوص المطروحة التي تتلاءم مع حجم تصوراتهم الإبداعية المستقاة عن الواقع المعاش وفيما يتعلق بإشكالية النص تلك هي مسألة ترتبط بأفكار المؤلف ومصادر إلهامه بيد أن حركة المسرح العالمي وما يحمله سفرها من روائع النصوص لكبار مؤلفي المسرح على امتداد مراحله إبتداءً من الاغريق والرومان ومروراً بشكبير ووصولاً إلى المدارس الطليعية الحديثة كان أبرز مايميز نصوصهم هو الاطار الإنساني الذي يطرح فيه المؤلف المشكلة المحلية ويعالجها بأبعادها الانسانية المختلفة وإلا بماذا نفسٌر خلود نصوص شكسبير أو لوركا ، أو جيكوف ، أو أبسن وغيرهم فهؤلاء لم ينفصلوا عن واقع مجتمعاتهم وعالجوا الكثير من المشاكل التي يضج بها واقع بلدانهم بشكل خاص وواقعهم الأوربي الذي يتحركون خلاله إلا أن لغة خطابهم حافظت على انسانيتها الأمر الذي أكسب نصوصهم حالة من التجدد تدفع باتجاه تقديمها بأشكال ورؤى متجددة تتناسب مع حركة العصر الذي نعيشه بمعنى أن نصوصهم لاتخلو من عناصر العصرنة بوصفها المفتاح لتطويع النص إلى الزمان والمكان الذي ينشده المخرج في معرض رؤيته الإبداعية المقدمة وإذا رجعنا إلى حركة مسرحنا العراقي فإننا سنجدها تضم مؤلفين تمتعوا بشيء من تلك الصفات على الرغم من قلة هؤلاء المؤلفين الذين حذوا حذواً كسر إلى حد كبير طوق المحلية محلقين بذلك إلى عوالم أكثر رحابة ويمكن القول أن المؤلف العراقي محي الدين زنكنة يعد من أؤلئك الذين تركزت جهودهم على إيجاد الاطار الإنساني العام الغير محدد بحدود مكانية وزمانية معينة وعلى الرغم من أنه طرح في أكثر من نص مشكلة شعبه الكردي الذي هو أحد أبنائه وتعتبر مسرحية ( مساء السلامة أيها الزنوج البيض ) هو باكورة أعماله التي طرح من خلالها مأساة الشعب الكردي بيد أن المتفحص لذلك النص يستطيع أن يمسك بالكثير من التلابيب التي تؤهل النص لأن يكون نصاً لايرتبط بمحيط ما بقدر إرتباطه بالواقع الإنساني بحيث يستطيع أي صانع رؤيا مسرحية تحميله ما يريد من الاسقاطات الفكرية وما يؤكد ذلك الزعم أن نصوص زنكنة قدمتها للمسرح العديد من الفرق المسرحية العربية في القاهرة ، الجزائر ، تونس ، دمشق ، الكويت ، فلسطين ، الأردن ، المغرب . والكاتب المذكور له العديد من النصوص الرصينة الأخرى التي تحمل ذات الطابع والنكهة مثل مسرحية السر ، السؤال ، الإجازة ، اليمامة ، العلبة الحجرية ، لمن الزهور ، حكاية صديقين ، الأشواك ، صراخ الصمت الأخرس ، هل نحفر الجذور ، تكلم ياحجر ، العقاب ، القطط ، وغيرها ولم تتوقف تجارب المؤلف المسرحي زنكنة على حدود الأدب المسرحي فقد خاض في أدب الرواية وكان قد أصدر رواية واحدة بعنوان ( يبقى الحب علاقة )
سعد السعدون
أمريكا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق