صراع الانساق وتوحد الدلالات في قصيدة /كأني...أنت/للشاعرة أمينة اغتامي
دراسة نقدية
للدكتور عواد الغزي الناقد و الأستاذ الجامعي للدراسة النقدية/جامعة ذي قار/العراق
.............................................................................................
إن الإستقراء الخارجي للنص يلمح بثنائية نصية تهمين على بنية النص تتبلور في (الأنا----الأنت).
وبوساطة تلك الثنائية تتجسد القطبية الشعورية إذ يتبادل النسقان النسق الصاعد والنسق النازل أسلوبية الهيمنة والانزياح على دلالات النص.
وليس ذلك بغريب على الشعرية العربية فمنذ أن حاول النقاد استكناه جنس الشعر العربي بدا لهم أن الغنائية وظهور الذات الشاعرة في النص حقيقة لايمكن إنكارها أو الخلاص منها.
وحاول بعض آخر من النقاد الاحتماء باللغة العربية ومافيها من دلالة تبيح تعدد المعاني للخروج من عباءة الغنائية ،وتعددت مشارب النقاد في ذلك .
فقالوا مثلا إن السياق قد يغيير دلالة حرف العطف واحتجوا لذلك بما قالته العرب.
ونفذوا بفكرهم هذا إلى الشعر وبالتحديد الغنائية في الشعر العربي، محاولين إيجاد شرعية عربية لأجناس الشعر الغربية،
وتمنكوا من استظهار ثنائية دلالية في الضمائر اللغوية للنفاذ بها إلى كينونة الذات وعدم اقتصار دلالتها على الأنا القائلة ،
فقالوا إن العرب قديما قد تثني ما حقه الافراد ،وقد تفرد ما حقه التثنية ،واحتجوا لذلك بالشعر العربي القديم إذ قال شاعرهم زهير بن ابي سلمى:
ودار لها بالرقمتين كأنها
مراجيع وشم في نواشر معصم.
إذ أثبت الحموي في معجمه ومن بعده صاحب مراصد الاطلاع على الأمكنة والبقاع أن للعرب رقمة واحدة ،وماقاله زهير إنما يأتي من باب دلالة الإثنين على الواحد والعكس بالعكس.
وإننا واجدون استمرار هاتيك الفكرة الشعرية إلى يومنا هذا ،بل نستطيع أن نقول إن الشعر العربي المعاصر أكثر المتون الشعرية زمنيا دالا على تماهي الأنا بالأنت.
ومن تلك النصوص ماقالته أمينة اغتامي، فقد أوحى العنوان بوصفه ثريا النص وعنقود دلالته ،إلى ثيمة التماهي بين الذاتين فشكل توحدا فكريا ،وكما أنه المح الى وجود نسقين فشكل اقتراقا بين الانساق.
ويشي النص من عنوانه الى زمنية التماهي(كأني....أنت)ذلك أن النسق المجازي ورشوح التشبيه أوجد تطابقا بين الذاتين.
ولاشك أن اللعب على دلالة التشبيه البلاغي تعني محاولة إدغام الذاتين وانصهار وجودهما، إذ كان من حق التشبيه أن يسير منطقيا فيكون(كأنك....أنا).
وفي ذلك يغدو التشبيه منطيقيا يأخذ بعض لوازم المعرفة الجزئية ويماثلها بما لها من قرائن كلية في المشبه به.
فالمشبه يأخذ بعض لوازمه من المشبه به ذلك أن قولنا (زيد كالاسد) يلمح الى وجود بعض مما في زيد في كيونة الأسد ،
فالاسد المشبه به حامل للكلية المعنوية وزيد المشبه حامل لبعض هذه الكلية ،وبذلك تكون (أنت) حاملة للكلية المعنوية و(الأنا)حاملة للبعضية المعنوية.
ولاريب أن ذلك لايستقيم فكريا ،فالذات ينبغي أن تكون عارفة بكينوتها أكثر من معرفتها بكينونة (الأنت).
ولكن مابدا لنا في المحاولة التجنيسية للشعر العربي كاف للقول إن الغنائية والذاتية في الشعرية العربية هي حجة واهية لاتؤيدها الدلالة اللغوية ولا الدلالة البلاغية وكما سترفضها الدلالة الفكرية .
إن بنية التشبيه في :
كأني....أنت
يتطلب معرفة خارجية وداخلية من الأنا للأنت ،وكما يتطلب تحقق الكلية في الأنت أكثر من الأنا، ولكن وجود الفكر الضاغط على الأنا الذي يدفعها الى التماهي مع الأنت جعل القطبين في مسثوى واحد من التشابه ،وذلك مما سمح للشاعرة أمينة اغتامي هدم الدلالة التقليدية وإيجاد الدلالة الفكرية بدلا منها.
ولاغرابة في ذلك فالشاعر المعاصر يتنكب بالشعرية أكثر من اللوازم البلاغية في النص.
ولكننا لانعدم افتراق الذاتين في نسق بوحهما ،وهو افتراق لايلمح بالاختلاف بل يلمح بالصعود والنزول في الوجد العاطفي.
لقد كانت بداية النص تشعر المتلقي بكلية المعرفة للآخر:
.....كنت أنت
لغة زرقاء
تصب القصائد في فم البحر
تحيل البنية اللغوية للنص إلى صيرورة البحر بؤرة كلية تستبطنها الأنا كليا فهو المعنى للوجود .
وتظهر الأنا على أنها نسق صاعد يعلو نسق كلية الأنت:
وفي ثغري...
نهر يشتاقك
منذ بدء النطق...
إن وجود الأنت على أنه كلية مهيمنة ونسقا قارا دفع الأنا الى الصعود فوق تداولية ظهوره النصي، فكان هذا المعني يتهشم في هيمنته وكليته أمام الذات وشوقها اليه.
وتتقابل ثنائية (البحر---- النهر)
لتحقق ثنائية الصعود والهبوط في النسق.
ذلك أن الأنت والبحر يحملان الكلية المعنوية والنهر والأنا يحملان الكلية لمنى الشوق.
ويتسامى هذا النسق في صعوده :
.....كنت أنا
امراة من اثير....
أصب الوهج في ماء عينيك
وبوساطة إعاده صب الماء من الأنا في عيني الأنت، ترتفع الأنا ويصعد نسقها أعلى من الأنت فتكون هي الأنا والأنت ،إذ بعد أن كانت الأنت لغة زرقاء تطعم البحر شوقا استسقت الشوق من الأنا وهجا بعد صعود نسقها.
وتحاول الأنا أن تمسك بتجليات نسقها العاطفية وصعوده الوجداني ودلالته على ثنائية الأنا والأنت فتشقق عن رؤيتها لذاتها:
لم أفعل شيئا
غيىر كتابتك فوق الجمر
ولأني لم أصدق الرؤيا
أضرمت نفسي
لأشعر...
أنني باقية فيك
إن الاستشعار بالنجوى ووجود الأنت في بواطن الاحساس جعل الأنا تترفع عن وجعها وتجعل الأنت عنوانا له يغلف الوجع ويستبطن الجميل،ويكون التلاشي في وجود الأنا وجودا لها ثنانيا بوساطة تماهيها بالأنت:
أضرمت نفسي
لأشعر...
أنني باقية فيك
وفي هذا السياق تسمو الأنا بإحساسها وتندغم بالأنت بعد استشعارها بافتراق النسقين ،وتخلف الأنت عن الصعود الى مرتبة نسقها.
وما إن تستشعر الأنا بهبوط نسق الأنت، تظهر التماهي بها والتحول وصيرورتها أنت للارتفاع بالأنت الى مصاف الأنا:
يقول الصوت:
لاعاصم اليوم منك
إلا أنت
فزملني بملحك
أيها الحلم الأزرق...
فلا وجود للأنا من دون الأنت ولااستشعار بذاتها من دون تلبسها بوحي الأنت، ولاخشوع أو ارتجاف لها من دون الإستسقاء أو الالتحاف بكنف الأنت الوجودية .
وذلك صير نسق الأنت طيقة عليا واشية بالصعود على حساب نسق الأنا في هبوطه وصيرورته، مستسقى ومزمل وملتحف.
ولامندوحة في القول إن صعود نسق الأنت في آخر النص يلمح في طرف منه إلى كينونة الوجود الأبدية واستشراف الرؤية الالهية في دلالتها الوجودية الأبدية ومحاولة اكتناه الأنت وإحالة الرغبة إليها إلى رغبة أبدية وتجسدها حلما أزرق.
.................................
الدكتور عواد كاظم الغزي
كأني ....أنتَ
....................
............كنتَ أنتَ
لغةً زرقاءَ ............
تصبُّ القصائدَ في فم البحر
وفي ثغري..
نهرٌ يشتاقك
منذُ بدءِ النطقِ..
...........كنتُ أنا
امرأةً من أثير.........
أصبُّ الوهجَ في ماءِ عينيك
لم أفعلْ شيئاً
غيرَ كتابتِك فوق الجمرِ
ولأني لم أصدقِ الرؤيا
أضرمتُ نفسي
لأشعرَ..
أنَّني باقيةٌ فيك
يقول الصوتُ:
لاعاصمَ اليوم َمنك
إلا أنتَ
فزَمِّلْني بملحكَ
أيها الحلمُ الأزرق....
.........................
أمينة غتامي
دراسة نقدية
للدكتور عواد الغزي الناقد و الأستاذ الجامعي للدراسة النقدية/جامعة ذي قار/العراق
.............................................................................................
إن الإستقراء الخارجي للنص يلمح بثنائية نصية تهمين على بنية النص تتبلور في (الأنا----الأنت).
وبوساطة تلك الثنائية تتجسد القطبية الشعورية إذ يتبادل النسقان النسق الصاعد والنسق النازل أسلوبية الهيمنة والانزياح على دلالات النص.
وليس ذلك بغريب على الشعرية العربية فمنذ أن حاول النقاد استكناه جنس الشعر العربي بدا لهم أن الغنائية وظهور الذات الشاعرة في النص حقيقة لايمكن إنكارها أو الخلاص منها.
وحاول بعض آخر من النقاد الاحتماء باللغة العربية ومافيها من دلالة تبيح تعدد المعاني للخروج من عباءة الغنائية ،وتعددت مشارب النقاد في ذلك .
فقالوا مثلا إن السياق قد يغيير دلالة حرف العطف واحتجوا لذلك بما قالته العرب.
ونفذوا بفكرهم هذا إلى الشعر وبالتحديد الغنائية في الشعر العربي، محاولين إيجاد شرعية عربية لأجناس الشعر الغربية،
وتمنكوا من استظهار ثنائية دلالية في الضمائر اللغوية للنفاذ بها إلى كينونة الذات وعدم اقتصار دلالتها على الأنا القائلة ،
فقالوا إن العرب قديما قد تثني ما حقه الافراد ،وقد تفرد ما حقه التثنية ،واحتجوا لذلك بالشعر العربي القديم إذ قال شاعرهم زهير بن ابي سلمى:
ودار لها بالرقمتين كأنها
مراجيع وشم في نواشر معصم.
إذ أثبت الحموي في معجمه ومن بعده صاحب مراصد الاطلاع على الأمكنة والبقاع أن للعرب رقمة واحدة ،وماقاله زهير إنما يأتي من باب دلالة الإثنين على الواحد والعكس بالعكس.
وإننا واجدون استمرار هاتيك الفكرة الشعرية إلى يومنا هذا ،بل نستطيع أن نقول إن الشعر العربي المعاصر أكثر المتون الشعرية زمنيا دالا على تماهي الأنا بالأنت.
ومن تلك النصوص ماقالته أمينة اغتامي، فقد أوحى العنوان بوصفه ثريا النص وعنقود دلالته ،إلى ثيمة التماهي بين الذاتين فشكل توحدا فكريا ،وكما أنه المح الى وجود نسقين فشكل اقتراقا بين الانساق.
ويشي النص من عنوانه الى زمنية التماهي(كأني....أنت)ذلك أن النسق المجازي ورشوح التشبيه أوجد تطابقا بين الذاتين.
ولاشك أن اللعب على دلالة التشبيه البلاغي تعني محاولة إدغام الذاتين وانصهار وجودهما، إذ كان من حق التشبيه أن يسير منطقيا فيكون(كأنك....أنا).
وفي ذلك يغدو التشبيه منطيقيا يأخذ بعض لوازم المعرفة الجزئية ويماثلها بما لها من قرائن كلية في المشبه به.
فالمشبه يأخذ بعض لوازمه من المشبه به ذلك أن قولنا (زيد كالاسد) يلمح الى وجود بعض مما في زيد في كيونة الأسد ،
فالاسد المشبه به حامل للكلية المعنوية وزيد المشبه حامل لبعض هذه الكلية ،وبذلك تكون (أنت) حاملة للكلية المعنوية و(الأنا)حاملة للبعضية المعنوية.
ولاريب أن ذلك لايستقيم فكريا ،فالذات ينبغي أن تكون عارفة بكينوتها أكثر من معرفتها بكينونة (الأنت).
ولكن مابدا لنا في المحاولة التجنيسية للشعر العربي كاف للقول إن الغنائية والذاتية في الشعرية العربية هي حجة واهية لاتؤيدها الدلالة اللغوية ولا الدلالة البلاغية وكما سترفضها الدلالة الفكرية .
إن بنية التشبيه في :
كأني....أنت
يتطلب معرفة خارجية وداخلية من الأنا للأنت ،وكما يتطلب تحقق الكلية في الأنت أكثر من الأنا، ولكن وجود الفكر الضاغط على الأنا الذي يدفعها الى التماهي مع الأنت جعل القطبين في مسثوى واحد من التشابه ،وذلك مما سمح للشاعرة أمينة اغتامي هدم الدلالة التقليدية وإيجاد الدلالة الفكرية بدلا منها.
ولاغرابة في ذلك فالشاعر المعاصر يتنكب بالشعرية أكثر من اللوازم البلاغية في النص.
ولكننا لانعدم افتراق الذاتين في نسق بوحهما ،وهو افتراق لايلمح بالاختلاف بل يلمح بالصعود والنزول في الوجد العاطفي.
لقد كانت بداية النص تشعر المتلقي بكلية المعرفة للآخر:
.....كنت أنت
لغة زرقاء
تصب القصائد في فم البحر
تحيل البنية اللغوية للنص إلى صيرورة البحر بؤرة كلية تستبطنها الأنا كليا فهو المعنى للوجود .
وتظهر الأنا على أنها نسق صاعد يعلو نسق كلية الأنت:
وفي ثغري...
نهر يشتاقك
منذ بدء النطق...
إن وجود الأنت على أنه كلية مهيمنة ونسقا قارا دفع الأنا الى الصعود فوق تداولية ظهوره النصي، فكان هذا المعني يتهشم في هيمنته وكليته أمام الذات وشوقها اليه.
وتتقابل ثنائية (البحر---- النهر)
لتحقق ثنائية الصعود والهبوط في النسق.
ذلك أن الأنت والبحر يحملان الكلية المعنوية والنهر والأنا يحملان الكلية لمنى الشوق.
ويتسامى هذا النسق في صعوده :
.....كنت أنا
امراة من اثير....
أصب الوهج في ماء عينيك
وبوساطة إعاده صب الماء من الأنا في عيني الأنت، ترتفع الأنا ويصعد نسقها أعلى من الأنت فتكون هي الأنا والأنت ،إذ بعد أن كانت الأنت لغة زرقاء تطعم البحر شوقا استسقت الشوق من الأنا وهجا بعد صعود نسقها.
وتحاول الأنا أن تمسك بتجليات نسقها العاطفية وصعوده الوجداني ودلالته على ثنائية الأنا والأنت فتشقق عن رؤيتها لذاتها:
لم أفعل شيئا
غيىر كتابتك فوق الجمر
ولأني لم أصدق الرؤيا
أضرمت نفسي
لأشعر...
أنني باقية فيك
إن الاستشعار بالنجوى ووجود الأنت في بواطن الاحساس جعل الأنا تترفع عن وجعها وتجعل الأنت عنوانا له يغلف الوجع ويستبطن الجميل،ويكون التلاشي في وجود الأنا وجودا لها ثنانيا بوساطة تماهيها بالأنت:
أضرمت نفسي
لأشعر...
أنني باقية فيك
وفي هذا السياق تسمو الأنا بإحساسها وتندغم بالأنت بعد استشعارها بافتراق النسقين ،وتخلف الأنت عن الصعود الى مرتبة نسقها.
وما إن تستشعر الأنا بهبوط نسق الأنت، تظهر التماهي بها والتحول وصيرورتها أنت للارتفاع بالأنت الى مصاف الأنا:
يقول الصوت:
لاعاصم اليوم منك
إلا أنت
فزملني بملحك
أيها الحلم الأزرق...
فلا وجود للأنا من دون الأنت ولااستشعار بذاتها من دون تلبسها بوحي الأنت، ولاخشوع أو ارتجاف لها من دون الإستسقاء أو الالتحاف بكنف الأنت الوجودية .
وذلك صير نسق الأنت طيقة عليا واشية بالصعود على حساب نسق الأنا في هبوطه وصيرورته، مستسقى ومزمل وملتحف.
ولامندوحة في القول إن صعود نسق الأنت في آخر النص يلمح في طرف منه إلى كينونة الوجود الأبدية واستشراف الرؤية الالهية في دلالتها الوجودية الأبدية ومحاولة اكتناه الأنت وإحالة الرغبة إليها إلى رغبة أبدية وتجسدها حلما أزرق.
.................................
الدكتور عواد كاظم الغزي
كأني ....أنتَ
....................
............كنتَ أنتَ
لغةً زرقاءَ ............
تصبُّ القصائدَ في فم البحر
وفي ثغري..
نهرٌ يشتاقك
منذُ بدءِ النطقِ..
...........كنتُ أنا
امرأةً من أثير.........
أصبُّ الوهجَ في ماءِ عينيك
لم أفعلْ شيئاً
غيرَ كتابتِك فوق الجمرِ
ولأني لم أصدقِ الرؤيا
أضرمتُ نفسي
لأشعرَ..
أنَّني باقيةٌ فيك
يقول الصوتُ:
لاعاصمَ اليوم َمنك
إلا أنتَ
فزَمِّلْني بملحكَ
أيها الحلمُ الأزرق....
.........................
أمينة غتامي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق