طير و أسماء ..
وهي تراقب غروب الشمس، جالسة على أريكتها القديمة والمطرزة بحروف وأسماء أبناءها وأحفادها، تحت شجرة سدر كبيرة وقديمة من قدم منزلها الذي تصدعت جدرانه وهو يشهد تقلبات السنين .
أخرجت مسبحتها التي لم تتخل عنها ، منذ أن أهداها زوجها لها بعد عودته من الحج، وراحت تتمتم ببعض الكلمات وقد دخلت في ملكوت السماوات .
وبينما هي كذلك، وإذا بصوت عصفور صغير يقطع تأملاتها بعد أن سقط من عشه ، إنتبهت إليه ، وراحت تتأمله وتنظر إليه وهو يصيح ويتقلب ويضرب بجناحيه الصغيرين محاولا النهوض والطيران، لكن دون جدوى .
عندها نهضت وتقدمت نحوه بعمرها المتراكم في جسدها النحيل الذي رسم الزمن عليه تجاعيد أرذل العمر. فحملته بين يديها وراحت تربت عليه بكل حنان وعطف وهي تحاوره
_ أيه أيها الطير الصغير، ليست لي القوة ولا القدرة على أن أعيدك إلى العش ، هلا بقيت معي إلى أن يعود حفيدي .. ؟
وأردفت قائلة ..
_ لم يبق غيره وأمه معي، لقد غاب من غاب وارتحل من ارتحل ..
والتفتت إلى الأريكة ..
_ أنظر، هذه أسماؤهم المبعثرة ، نقشوها هنا، البكر والاوسط والصغير ، حتى أسماء أحفادي موجودة أيضا ، ولم يعد لي غير الأسماء وما علق في رأسي وقلبي منهم ..
وبحسرة وتنهيدة أخرجتها من قلبها المحزون وهي تستذكر أولادها ، عاودت النظر إلى العصفور قائلة ..
_ أتعلم يا صغير، لو كان ولدي البكر هنا، لما إكتفى بإن يعيدك إلى العش ، لا ، بل سيصنع لك بيتا يأويك ، نور عيني كان يحب الطيور، كانت له اقفاص تضم طيور شتى، بلابل وحمائم وطيور حب و و ..
تبسمت للحظة وأردفت ..
_ حتى إنه ذات يوم جاء بصقر، صقر كبير أحبه جدا ، وبعد موته حنطه ..
سكتت لبرهة وأغمضت عيناها التي راح الدمع يتدفق منها رويا ..
_ لقد أستشهد في حرب دامت ثماني سنوات، قتلت فينا الروح رغم جمال الأجساد ..
تأوهت من جديد ، وبصبر لم ينقطع مده ، حاولت أن تخفي ذلك الألم ، فأطلقت ضحكة ممزوجة بالوجع وهي تستذكر ولدها الأوسط ..
_ أما ولدي الأوسط، لو رآك لعذبك حتى الموت ، ذلك الولد الشقي المشاكس والطليق، وسيأتي بك إلى وهو يقول ، أمي لقد مات هل ادفنه ؟ وأنا أبتسم له وأحاول أن أفهمه إن ما يقوم به ليس صوابا ، لكنه لا يراعي لكلامي ..
صمتت للحظة ثم أكملت ..
_ هو الآن يسكن الغربة، ما إن أكمل خدمة العلم حتى هاجر، له في الغربة وطن الآن ، متزوج وله ثلاثة أولاد وبنت أسماها بإسمي ، ودائما ما يطمأن علينا ..
ساد السكون للحظات ، لكن قلبها يكاد ينفجر حزنا وتكاد تخنقها عبراتها ، وهي تستذكر ولدها الأصغر ..
_ أما ولدي الصغير، لو رآك لأعادك إلى عشك دون ان يراه أحد ، ويمضي بصمته وهدوئه ، لقد كان لا يرى ، فقط أعماله من تدل عليه ..
وانفجرت باكية وهي تنشغ بحرقة وألم ..
_ آه كم أشتاق إلى قبله التي يضعها على جبيني ويداي ، والتي كانت أحن من يدي عليه ، كان كالهمسة الرقيقة ، حتى لما أستشهد في الإنفجار لم نجد له من أثر .. وولده من أنتظر لكي يعيدك إلى العش ..
وبينما هي في رحلتها بين الماضي وذكرياتها والحنين الهائج لأحبتها ، وإذا بها تستشعر ألما ووجعا في قلبها .
رمت بنفسها على الأريكة ودقات قلبها في تزايد وانفاسها تتحرج مختنقة ، وما هي سوى لحظات بين ألم وزفرات ، وإذا بروحها تصعد السماء ، ومازال العصفور الصغير في يدها ، وكأنه أتخذ من كفها عشا *
وهي تراقب غروب الشمس، جالسة على أريكتها القديمة والمطرزة بحروف وأسماء أبناءها وأحفادها، تحت شجرة سدر كبيرة وقديمة من قدم منزلها الذي تصدعت جدرانه وهو يشهد تقلبات السنين .
أخرجت مسبحتها التي لم تتخل عنها ، منذ أن أهداها زوجها لها بعد عودته من الحج، وراحت تتمتم ببعض الكلمات وقد دخلت في ملكوت السماوات .
وبينما هي كذلك، وإذا بصوت عصفور صغير يقطع تأملاتها بعد أن سقط من عشه ، إنتبهت إليه ، وراحت تتأمله وتنظر إليه وهو يصيح ويتقلب ويضرب بجناحيه الصغيرين محاولا النهوض والطيران، لكن دون جدوى .
عندها نهضت وتقدمت نحوه بعمرها المتراكم في جسدها النحيل الذي رسم الزمن عليه تجاعيد أرذل العمر. فحملته بين يديها وراحت تربت عليه بكل حنان وعطف وهي تحاوره
_ أيه أيها الطير الصغير، ليست لي القوة ولا القدرة على أن أعيدك إلى العش ، هلا بقيت معي إلى أن يعود حفيدي .. ؟
وأردفت قائلة ..
_ لم يبق غيره وأمه معي، لقد غاب من غاب وارتحل من ارتحل ..
والتفتت إلى الأريكة ..
_ أنظر، هذه أسماؤهم المبعثرة ، نقشوها هنا، البكر والاوسط والصغير ، حتى أسماء أحفادي موجودة أيضا ، ولم يعد لي غير الأسماء وما علق في رأسي وقلبي منهم ..
وبحسرة وتنهيدة أخرجتها من قلبها المحزون وهي تستذكر أولادها ، عاودت النظر إلى العصفور قائلة ..
_ أتعلم يا صغير، لو كان ولدي البكر هنا، لما إكتفى بإن يعيدك إلى العش ، لا ، بل سيصنع لك بيتا يأويك ، نور عيني كان يحب الطيور، كانت له اقفاص تضم طيور شتى، بلابل وحمائم وطيور حب و و ..
تبسمت للحظة وأردفت ..
_ حتى إنه ذات يوم جاء بصقر، صقر كبير أحبه جدا ، وبعد موته حنطه ..
سكتت لبرهة وأغمضت عيناها التي راح الدمع يتدفق منها رويا ..
_ لقد أستشهد في حرب دامت ثماني سنوات، قتلت فينا الروح رغم جمال الأجساد ..
تأوهت من جديد ، وبصبر لم ينقطع مده ، حاولت أن تخفي ذلك الألم ، فأطلقت ضحكة ممزوجة بالوجع وهي تستذكر ولدها الأوسط ..
_ أما ولدي الأوسط، لو رآك لعذبك حتى الموت ، ذلك الولد الشقي المشاكس والطليق، وسيأتي بك إلى وهو يقول ، أمي لقد مات هل ادفنه ؟ وأنا أبتسم له وأحاول أن أفهمه إن ما يقوم به ليس صوابا ، لكنه لا يراعي لكلامي ..
صمتت للحظة ثم أكملت ..
_ هو الآن يسكن الغربة، ما إن أكمل خدمة العلم حتى هاجر، له في الغربة وطن الآن ، متزوج وله ثلاثة أولاد وبنت أسماها بإسمي ، ودائما ما يطمأن علينا ..
ساد السكون للحظات ، لكن قلبها يكاد ينفجر حزنا وتكاد تخنقها عبراتها ، وهي تستذكر ولدها الأصغر ..
_ أما ولدي الصغير، لو رآك لأعادك إلى عشك دون ان يراه أحد ، ويمضي بصمته وهدوئه ، لقد كان لا يرى ، فقط أعماله من تدل عليه ..
وانفجرت باكية وهي تنشغ بحرقة وألم ..
_ آه كم أشتاق إلى قبله التي يضعها على جبيني ويداي ، والتي كانت أحن من يدي عليه ، كان كالهمسة الرقيقة ، حتى لما أستشهد في الإنفجار لم نجد له من أثر .. وولده من أنتظر لكي يعيدك إلى العش ..
وبينما هي في رحلتها بين الماضي وذكرياتها والحنين الهائج لأحبتها ، وإذا بها تستشعر ألما ووجعا في قلبها .
رمت بنفسها على الأريكة ودقات قلبها في تزايد وانفاسها تتحرج مختنقة ، وما هي سوى لحظات بين ألم وزفرات ، وإذا بروحها تصعد السماء ، ومازال العصفور الصغير في يدها ، وكأنه أتخذ من كفها عشا *
حنان الموسوي *
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق