السبت، 17 سبتمبر 2016

سفينة نوح ../ قصة قصيرة / القاصة والشاعرة / حنان الموسوي / العراق

سفينة نوح ..
علي .. وملل الإنتظار والخوف من المجهول يعتصر قلبه. 
وهو يقلب بجهاز التحكم عن بعد قنوات التلفاز، وسحابة دخان السجائر تملأ الغرفة التي كانت تجمعه بعدد من الأشخاص. 
أطفأ سيجارته الأخيرة ونهض وسحب حقيبته مع تلك المجموعة، بعد أن جائهم خبر وصول قارب الهجرة. 
نساء ورجال وأطفال، وحقائب وأحاديث وأفكار، 
. . هل سيحملنا هذا القارب؟ !
.. هل سنصل إلى بر الأمان؟ !
وأدعية وصلوات.
ركب الجميع في هرج ومرج، فصاح رب القارب
..إلزموا الهدوء، وانصتوا، خذوا أماكنكم ولا تتحركوا. .سننطلق الآن. .
إنطلق القارب وهو يشق موج البحر الهادئة، وقلوب من فيه تتراجف وتبتهل.
منظر لا يسمع فيه إلا همسات وتمتمات وصوت محرك القارب يخترق الأجواء.
عندها أخرج علي من جيب حقيبته آلة الناي، وضعه على فمه وأغمض عيناه وراح يشدو بأنفاسه أعذب الأصوات، وهي تترجم أحاديث الشوق وألم فراق الوطن والأهل.
راح الكل ينصت لصوت الناي الشجي الذي سحرهم وانساهم أنهم على قارب بين السماء والماء.
هناك هبت رياح جعلت موج البحر يتعالى الموجة تلو الموجة، عندها قطع علي عزفه بعدما استشعر بقدوم موجة إخترق صوتها أذنيه، فتح عينيه على وسعها مشدوها وهو يرى موجة بعلو الجبال وهي تضرب القارب والذي حاول الجميع رد تلك الأمواج بالصراخ والتضرع والبكاء.
لكن موج البحر لا يتراجع أبدا، بل يمضي قدما كيفما تأمره الرياح العاتية يرمي بماعليه لموجة فموجة أخرى.
فتساقط نفر منهم في البحر، كان علي متشبثا بحبال القارب.
وما هي سوى لحظات تقطع نياط القلب وهو يرى أطفالا تستصرخ أهاليها وأمهات تصرخ أطفالها.
أرخى علي يديه وأطلق الحبال، تدفعه صورة أمه وحديثها عن سفينة نوح، .. آه، يا أمي ليتها كانت كسفينة نوح ...
ورمى بنفسه في البحر محاولا أن يلقف أرواحا ليعيدها إلى القارب بكل ما أوتي من قوة ونخوة وعزم.
وراح يضرب البحر بذراعيه وهو يلتقط ما تصل له يديه، يمسك طفلا تارة و إمرأة تارة أخرى ويشدهم بحبال القارب.
ساعات، وإذا بشمس يوم جديد تشق ظلمة ليلة ليلاء حالكة، وتكشف عن صفحة البحر الذي عاد وكأنه لم يكن نفسه ذاك البحر الهائج والمجنون.
وقد ترامت على أطرافه اللامعة بأشعة الشمس الذهبية، جثثا وحقائب وناي *
حنان الموسوي *

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق