الاثنين، 13 مارس 2017

ذكرى صاحب موقف/ الكاتبة / مها الشعار/ سوريا ,,,,



ذكرى صاحب موقف
مها الشعار
 كان واقفاً بعيداً عني قليلاً على إحدى الصرافات الآلية حين لمحته عيوني تحجرت مكانها للحظات فهذا الشبه هو وحده كان كفيلا لاسترجاع ذاكرتي إلى أعوام مضت ، رجعت من خلالها على قطار العودة إلى مكان جعلني فيه بين يديه اسكن روحه هامساً في أذني بأنني وطنه ولا يريد أن يعيش إلا فيه.
 ولكن عندما تعب وطني وضعني أمام خيارين إما أن أبقى وحدي أو أهاجر معه ، لم أكن أتخيل يوماً أن أعيش خارج هذه الأرض فرفضتُ دعوته ، وقرر وداعي تركني أتخبط في بئر الاشتياق المظلم أعاني الوحدة متعطشة لرؤيته .
 حفيف الهواء البارد التفّ حولي وصوت دافئ جعلني أعود للواقع ، لقد ترك دوره واقترب مني يلقي التحية وقبل أن أرد السلام قال في كل مرة تعجبني فتاة يقف أمامي عائق محبسها الذي في يدها وعندما نظرت إلى يديك لم أجده جعلني هذا اقترب لأسألك هل نسيته في المنزل ،لم أستطع أن أجيب لأنه تابع دون أن يترك لي مجالاً كي أتحدث
 قال أمي دائماً تقول لي بأن ذوقي في اختيار شريكة حياتي صعب لا أدري من أين جاءت بهذه الفكرة فكل ما أتمناه هو زوجة مثقفة.متعلمة.وجميلة هل هذا برأيك مطلبٌ صعبٌ
 وقفت مستغربة حديثه فكيف لرجل أول مرة يلتقي بأنثى يبدأ معها حديثاً ليس له أي سبب ثم قال هل أفهم من صمتك بأنك مع رأي والدتي ؟
 ابتسمت وقلت له لا هذا مطلب أغلب الشباب اللذين يريدون الارتباط،ثم يلعب القدر والنصيب بقائمة الخيارات .
قال سأسألك مجدداً: هل نسيته في المنزل وأشار بعيونه إلى أصابعي ؟
أجبته وأنا أكتم ضحكتي لا لم أنسه لأنه بالأصل ليس موجوداً .
قال بفرح : جميلٌ جداً هل أفهم من كلامك بأنك لست مرتبطة ؟
قلت له لا لست بمرتبطة أجابني وهو يبتسم هل أنت أيضا مطلبك صعب ؟
 نعم هو صعب......... فأنا أتمنى الارتباط بصاحب موقف .. حينها أؤمن على حياتي مع إنسان استطيع أن أقول عنه بأنه رجلاً.
 قطب حاجبيه لتعلن ملامحه عن عدم استيعابه لقولي أو ربما وجد فيه غرابةً ثم كرر ببطيء وبصوت خافت كلامي.....رجل صاحب موقف.. ثم تابع هل من وراء هذا الطلب تجربة .
 لم استطع الإجابة لأن طيف(زين)تمثل أمامي هذا الذي وعدني وغدر بي بعد أن اقسم على البقاء معي ورحل ..عيوني بدأت تدمع تداركت الأمر فوراً خوفاً من أن تفضح ألمي ولكنها دائماً تفشي الأسرار.
قال لي : هل تبكين ؟
 بسرعة قلت له لا أبداً فعيوني تتحسس من الهواء البارد فقط هذا كل ما في الأمر.. حاولت إسقاط مشاعر الحزن أمام رجل ربما بدأ بتكوين فكرة واضحة يستطيع من خلالها الإجابة على سؤاله .
 قال لي دوري في استلام راتبي بعيدٌ وأنت أيضاً لنذهب ونقف تحت هذه الشجرة لكي تبتعدي عن مجرى الهواء وتجنبي عينيكِ التعب..بدون أي تفكير استجبت لطلبه وعندما وصلنا قال لي هل تسمحين لي بان أطلب رقم هاتفك ؟
 نظرت إليه مجددا باستغراب قال هل انتبهت أنني كلما أقول شيئاً ، تصدني نظرة عينيك هذه عن المتابعة فما سبب هذه النظرة الغريبة ؟ قلت له أنت بصراحة بك من الغرابة الشيء الكثير فقد ابتدأت حديثك دون مقدمات وكأنك تعرفني جيداً..أجابني بضحكة الواثق قال أنا رجل لا أحب الالتفاف حتى أصل لمبتغاي .. بصراحة لقد أعجبتني ملامحك كثيراً وزاد من إعجابي هذه الشخصية الغامضة ثم قال نعم لقد نسيت أن أسالك عن مستواكِ العلمي هل أنت متعلمة أجبته بنعم ..قال جميل جداً لقد اجتزت كل الامتحانات وبدرجة ممتازة .
 بصوت خافت رددت مفرداته .. امتحانات ...واجتزت ..لقد قلت لك بأنك إنسان غريب الأطوار.. قال نعم إنا غريب الأطوار المهم أعطني رقم هاتفك...هاتف والدتك ..والدك أي احد استطيع التواصل معه فكل ما في الأمر أريد أن اثبت لوالدتي بان ذوقي ليس بالصعب بل هو سهل وجميل أيضاً .
 احمر وجهي خجلاً من كلامه الجميل ولا ادري لم التفت حولي هذه السعادة التي جعلت قلبي ينبض مجدداً بالحياة .. هل لأنه أعجبني؟ أم لأنه يشبه(زين) وهذا الشبه سيخفف عني الم الفراق فمهما كان الأمر فطلبه سيلقى بالقبول .
 قال أين ذهب تفكيرك ولماذا لم تأخذيني معك ؟ ضحكت وحاولت الهروب من الجواب نظرت إلى مكان الصراف كان دوري قد اقترب من استلام راتبي قلت أسرع لقد حان دوري ..أجابني ما هذه الصدفة دوري ودورك على نفس الخط ولكن إياك أن تظني باني سأعطيك دوري ..ضحكت من مزاحه هذا وفي طريقينا إلى هناك سألته : ما هو اسمك؟ ضحك وقال مازال الوقت مبكراً على هذا السؤال.. روحه الجميلة هذه جعلتني مرتاحة أكثر .
 قال اسمي(نور) وأنتِ؟ .. قبل أن أرد قال لا لا....دعيني أخمن اسمك وبدأ بلفظ كل الأسماء الجميلة للورود والعطور. الليل ..والنهار ..الشمس والقمر..وصلنا إلى الصراف و لم يتوصل (نور) إلى اسمي
 صوت قوي يهز المكان ورغم الضجيج ساد الصمت بلحظة فقدان للذاكرة.. شيء قوي طرحني أرضا أبعدني إلى منتصف الطريق .. إنها يدا (نور) .. لم استطع الرؤيا جيداً كانت ثمة غباشة سوداء لم استطع من خلالها التميز إلا أنني حفظت ملامحه جيداً وعندما شددت النظر عرفت انه ملقى بجانبي على الأرض بعد أن غطت ملامحه الدماء ، حينها أغمضت عيوني مستسلمة وفتحتها على صوت تضرع ودعاء انه صوت أمي .. ما الذي جاء بها إلى هنا؟.فقد تركتها في المنزل! ..أين أنا! ..لم استطع الحركة فالأجهزة مكبلة حركتي وهذا الجهاز الذي يغطي فمي كان يمنعني من الحديث والسؤال عن سبب ما جرى..ونور! أين هو .. كنت كلما المح الممرضة أمامي تسألها عيوني عنه ولكن كل ما حولي أميٌّ لا يفقه لغة العيون ، ومن بعد تعب أعاود الاستسلام وأنام .
 بعد أسبوع تعافيت وسمح لي الطبيب بالخروج إلى المنزل بعد أن ضمد جراحي وأمسك يدي قائلا:هنا كان أصعب الجروح وأشدها استطعنا أن نعيد الأصابع والأوتار إلى مكانها وقد نزعت عنها الضماد لتجف قليلاً ... نظرت إليها وإذ بالخيطان السود تلتف حول معصمي .. نظرت إليه قال كان الانفجار قوياً وهذه السيارة كانت محملة بكمية كبيرة من المتفجرات وعلى كل حال الحمد لله على سلامتك .. نعم انه الإرهاب الذي يقتل كل اللحظات الجميلة أما من عقاب لهذا المجرم الخطير .
ولكن! (نور)أين هو ؟
 نزلت من سريري .والدتي كانت تحاول مساعدتي على المشي بينما كان والدي يأتي بالسيارة إلى باب المشفى وصلنا إلى الباب شيء جعلني أقف فلن اذهب دون أن اطمئن عليه ..استأذنت والدتي وطلبت منها أن تنتظرني لدقائق معدودة لكنها رفضت خوفاً علي فأنا ما زلت غير متزنة في المشي قلت لها :أرجوك وذهبت إلى الاستعلامات ..لا أعرف لم كنت ارتجف ولم كل هذا الخوف الذي اجتاحني.. ربما من المجهول ..بصوت يرتجف قلت للموظفة الجالسة خلف الطاولة :
 لو سمحت لقد كان معي على الصراف شاب اسمه نور هل جاؤوا به إلى هنا ؟ طلبت مني الانتظار قليلاً ريثما تبحث بين الأسماء .. ثم قالت هل تعلمين كنيته قلت لها للأسف لا اعلم قالت هل هذا هو نظرت إلى الشاشة فرحت كثيراً : نعم انه هو ..هذا هو نور أين هو؟أين غرفته؟
 نظرت إلي قالت نور كانت جراحه خطيرة ولم نستطع وقف النزيف فالبقاء لله والحمد لله على سلامتك...على طرف الطاولة كرسي استطعت أن اكبح ذهولي فجلست عليه يد في عنقي كانت تمنع عني الهواء تريد خنقي .. دموعي وقفت لدقيقة صمت وذاكرتي عادت مجدداً إلي هناك هل مكتوب عليها أن تعيش ماضية إلى الوراء تتذكر كل شيء جميل .. وبدأت أعيش اللحظات الأولى معه إلى اللحظة التي انفجرت فيها هذه السيارة .. نعم لقد رماني نور على الأرض فقد كانت عيونه أسرع مني ولمحت الزجاج الذي يسقط فوقنا .. لقد أبعدني عن الموت لأنجو ويغادرني هو ..يا ليتني أخبرته عن اسمي ..يا ليتني أعطيته رقمي ..فكيف سيناديني ومتى سيتصل بي .
 والدتي وصلت إليّ خائفة تسألني إذا أنا بخير .. بدون أن أجبها وقفت ومضيت معها .. فقد تركني نور ومعي جرحين واحدٌ في يدي وآخر في قلبي .
 نظرت إلى معصمي وشاهدت هذه الغرز السوداء الملتفة حول يدي كإسورة حداد .. قد ألبسني إياها نور قبل رحيله ..لقد اثبت لي بأنه رجل صاحب موقف ولن أجد مثله رجلاً . وصلت المنزل ولبست الحداد عليه وأصبحت كأرملة تعيش على ذكرى راحلها ..منتظرة يوماً ستلتقي فيه مجدداً

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق