يوميات بائع الورد
وجه نجية وشوارب الجنود
كاظم مرشد السلوم
كراج النهضة ، الزحام على أشده ، جنود يركضون بكل الاتجاهات ، يتبعون سيارات نقل الركاب الكبيرة ، الباصات " لتقلهم الى جبهات القتال ، منظر مألوف ، لكن الغرابة هذه المرة ان عشرات العوائل ، تشارك الجنود محنة الحصول على مقعد في هذه الباصات ، السب هو هجوم الفاو ، وانقطاع اخبار الجنود عن أهلهم بسبب الغاء الاجازات الدورية .
ثمة رجل ريفي ، قوي البنية ، زاحم الجنود وصعد الى الباص الذي توقف قريبا منا ، تبعته ، لم يتبقى الكثير من المقاعد الشاغرة ، خصوصا وان من يصعد أولا يحجز عددا من الكراسي لرفاقه الجنود، وصلت انا والرجل الى المقعد الخلفي لباص ، كان قد سبقنا جنديان اليه ، جلست وجلس الرجل بجانبي ، وحين هم احد الجنود بالجلوس قربنا ، قال الرجل " محجوز وياي حرمة ، هساع تصعد " عرفت من لهجته انه من المنطقة الغربية للعراق ، وصلت المرأة وجلست بالكرسي المحاذي لنفاذة الباص.
بعد انطلاق الباص ، تحدث الرجل وزوجته كثيرا عن ابنهم الذي انقطعت اخباره منذ بدء هجم الفاو ، وأمنياتهم ان يجده سليما ، ثم تحدثوا بأمور عامة عن أقاربهم ، عن محنة الحرب ،عن قريتهم ، التي عرفت انها من قرى مدينة الرمادي ، تلك المدينة التي يتحلى أهلها بطيبة مفرطة وكرم كبير .
الطريق طويل من بغداد الى البصرة ، نام العديد من الركاب ، أغمضت انا عيني محاولا النوم ، يبدو ان الرجل التفت الي ، فقال لزوجته " مسكين هذا الوليد ، نام ، يمكن تعبان " ردت بحنو ، ايه والله خطية ، أضاف الرجل " لجن ما ادري ليس مزين شاربو " كادت ان تفلت من ضحكة ، الزوجة علقت ضاحكة " جنو وجه نجيتنا " تخيلت انا نجية ، فتاة سمراء ممشوقة ، ترعى الغنم في مراعي الرمادي او هيت او حديثة او ألوس ، تلف وجهها بخمار ملون ، اتقاء لحرارة الشمس ، ربما تنظر الجندي الغائب منذ فترة ، ثم اخذني سلطان النوم ، الى حين الوصول الى كراج البصرة في ساحة سعد ، كنت والرجل وزوجته أخر النازلين من الباص .
التفت الرجل الي سائلا " يابه هذي ساحة سعد ؟ " نعم اجبته ،وبأماكنك الذهاب الى مفترق الطرق هناك وأشرت بيدي الى تقاطع طرقات قريب يؤدي احد افرعه الى الفاو ، و السؤال هناك عن وحدة ابنك العسكرية ، فهم الرجل اني كنت استمع لكلامهم عن ابنهم ، شكرني والتفت الى زوجته ، العفو اجبته وأضفت وانا انظر اليهما معا ، " عود سلمولي على نجية " ضحكت المرأة وغطت فمها بفوطتها السوداء ، وعلامة خجل علت محيا الرجل ، ربت على كتفه قائلا " الله وياكم ، ان شاء الله تلكون وليدكم ، في امان الله " .
يوميات بائع الورد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق