الجمعة، 30 يونيو 2017

نحو مهرجان السينما الكوردية في اربيل الفيلم السينمائي الكوردي ذكريات منقوشة علي الحجر الفائز بجائزة أفضل فيلم عربي في «أبو ظبي السينمائي» ومرشح العراق لجائزة الاوسكار عام 2016 كاظم مرشد السلوم

نحو مهرجان السينما الكوردية في اربيل
الفيلم السينمائي الكوردي ذكريات منقوشة علي الحجر
الفائز بجائزة أفضل فيلم عربي في «أبو ظبي السينمائي» ومرشح العراق لجائزة الاوسكار عام 2016


كاظم مرشد السلوم
بعد “ضربة البداية” و”عبور الغبار”، يعود المخرج شوكت أمين كوركي للمشاركة في مهرجان أبو ظبي السينمائي بدورته الثامنة بفيلم “ذكريات منقوشة على حجر” في أول عرض عربي، الفيلم مثل معظم الأفلام التي أنتجتها السينما الكردية العراقية، لا يبتعد كثيراً عن التطرق الى فترة الحكم الدكتاتوري السابق وماعاناه الكرد من ذلك الحكم، الذي شملت قسوته العراق من شماله الى جنوبه، لكن هذا الفيلم وغيره من الأفلام الكردية يتغاضى عن الطرف الثاني الذي عانى من النظام.
الحكاية
ثمة مخرج شاب يحاول أن يخرج فيلماً عن مأساة الأنفال التي ارتكبها النظام السابق وراح ضحيتها أكثر من 180 ألفاً من الكرد كما يقول الفيلم من بدايته، المحاولة أو الرغبة لم تأت من فراغ، فالمخرج الشاب مازال يتذكر لحظة اعتقال والده من قبل السلطات العسكرية في دار السينما التي يعمل فيها كمشغل للأفلام والتي كانت تعرض في تلك اللحظة فيلماً ممنوعاً من قبل السلطات. وليعدم والده فيما بعد.
أولى عقبات انجاز الفيلم تتمثل في العثور على ممثلة تؤدي الدور الرئيس في الفيلم، وبرغم عديد المحاولات التي يجريها ملاك العمل لعدد من الفتيات، الا أن ذلك لم يتحقق، فالممثلة الايرانية التي وافقت لم ترضَ ان تخلع الحجاب خوفاً من النظام الإيراني، واحتمال معاقبتها في أثناء عودتها لإيران. شابة جميلة تسمع الاعلان عن الحاجة الى ممثلة في فيلم يتحدث عن الأنفال، فتوافق كون أبيها سبق وأن سجن وأعدم من قبل النظام، لكن موافقتها لم تكن كافية، فهناك ابن العم وأبوه اللذان يرفضان ذلك بشدة، ولكن في النهاية تمثل في الفيلم باشتراط تواجد ابن عمها وخطيبهاـ الذي يضطر في النهاية وبسبب غيرته وتزمته أن يطلق النار على مخرج العمل، الذي يظهر في المشهد الأخير على كرسي متحرك ليحضر العرض الأول للفيلم في ساحة المعتقل الذي كان شاهداً على مأساة الكرد، وعدم وجود صالات عرض في المدينة لعرضه، هذه المرة تتدخل الطبيعة لمنع الفيلم فتهطل الامطار غزيرة ليغادر المشاهدون العرض، ليبقى المخرج وبطلته وبضعة أشخاص آخرين من فريق عمل الفيلم فقط.
الاشتغال
يرسم شوكت أمين مشهداً استهلالياً غاية في الروعة يحيل ذاكرتنا الى تلك الأفلام التي تتحدث عن النازية والفاشست، المشهد، دار سينما، تعليق العديد من بوسترات لأفلام عالمية تتوسطها صورة صدام حسين، ومجموعة من المشاهدين يتهيئون لمشاهدة فيلم منعته السلطات، ثمة صبي يراقب من الكوة التي ينطلق منها شعاع الفيلم ليسقط على الشاشة مولداً دهشة بصرية له، لكن العسكر يدخلون فيعتقلون كل الموجودين بما فيهم والده مشغل الفيلم.
هذا المشهد التأسيسي هو المدخل لثيمة الفيلم، حيث مخرج شاب “حسين” حسين حسن، يتهيأ لعمل فيلم عن الأنفال في مكان اعتقال الناس في ثمانينيات القرن الماضي، معه فريق عمل يحاول جاهداً مساعدته، تتوالى الأحداث والعقبات، صعوبة ايجاد فتاة لتمثيل الدور هو المحور الأكثر اشتغالاً في الفيلم، حيث يذهب أكثر من ثلثي وقت الفيلم في التركيز على معاناة الفتاة سينور التي وافقت على القيام بالدور وعوائق ذلك، بهذا كله يكشف شوكت أمين التزمت الذي يسود المجتمع الكردي برغم المأساة التي عانوها من قبل النظام، حيث العم الذي نجا من الموت باعجوبة لكن ذلك لايشكل دافعاً له لمساندة ابنة أخيه في تمثيل دور الضحية، مع تذكيرها له بذلك.
يحسب لشوكت أمين تحريكه لجموع ممثلين، يقفون في مواجهة الكاميرا لأول مرة، من خلال الاشتغال على فيلم داخل الفيلم، اختياره لبطل الفيلم الداخلي، وهو مطرب لا علاقة له بالتمثيل بل يمكن له أن يدعم الفيلم مادياً، يسبب للمخرج حسين الكثيرات من المعوقات، المشاهد الخارجية العامة، كانت جميلة باختيار زوايا تبرز جمال الطبيعة الموجودة أصلاً عبر عين الكاميرا الثاقبة، والتي بالتأكيد تسند إلى بصيرة مصور ممتاز.
المشهد المؤثر الذي يفصح عن سر رغبة الشابة سيمور بتمثيل الفتاة في عمر السابعة التي نجت من الموت، وهو دخولها لزنزانة الاعتقال التي كان والدها يمكث فيها، وعثورها على كتابة على الجدران، مثل تلك التي يكتبها السجناء في كل سجون العالم، حيث تجد اسمها محفوراً على جدار الزنزانة، كان مشهداً مؤثراً، يوضح عمق المأساة الذي مرت به العديد من الأسر الكردية.
تأويل النص المرئي
قد تبدو الحكاية بسيطة، معاناة فريق عمل فيلم سينمائي يعاني من عقبات اكمال تصوير فيلمه، لكن التأويل يمكن أن يفضي الى قصدية واضحة تحاول أن تدين مرة أخرى فترة النظام السياسي السابق، الذي فتك بأبناء الشعب من الشمال إلى الجنوب، من دون تميز، وهي السمة الغالبة لمعظم الأفلام الكردية التي أنتجت بعد عام 2003، وإن حاول شوكت أمين هذه المرة أن يطرح بديلاً متمثلاً بالتزمت والعادات والتقاليد التي تسود المجتمع الكردي. العم هو العشيرة، ويمثل مع ابنه معادلاً لعوائل الاغوات في الريف الكردي الذي تطرقت له العديد من الأفلام الكردية والذي مازال يهمين ويقود هذا الريف، وربما تمتد تلك الهيمنة لسلطة المدينة أحياناً من خلال المشاركة في التكوين الحكومي.
الخاتمة
تبقى السينما الكردية تنتهج خطاً قد يكون مشابهاً الى حد ما للسينما الإيرانية، وإن اختلفت المواضيع، وتناول الطرح، كذلك فان هذه السينما تسير بخطى حثيثة نحو صناعة سينمائية جادة، من خلال انتاجها لأفلام حازت على اهتمام الجمهور أينما عرضت وكذلك على انتباه لجان التحكيم في العديد من المهرجانات، بدليل فوزها بالكثير من الجوائز وآخرها فوز فيلم شوكت أمين كوركي هذا بجائزة أفضل فيلم عربي في مهرجان أبو ظبي السينمائي في دورته الثامنة.
كتب سيناريو الفيلم مهمت اكتانش وشوكت أمين كوركي، التصوير: سالم سلافاتي، والمونتاج لإبراهيم ساعدي، في حين مثل فيه: حسين حسن، ونظمي كيريك، وشيماء ملاي، وسعات أوسطة، وصالح شيخ أحمدي...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق