من مجموعتي (نقوس عربية ) تحت الطبع
( كوريشي )
--------؛------
قصة قصيرة للأديب / محمد شعبان ___________________
في مثل هذا الوقت من اليوم يحب أن يجلس ( علي ) مع أمه التي تقوم بعمل منسوجات الكوريشي، في هذه المرة أحضر معه كاميرته الرقمية وثبتها على الحامل الخاص بها ليلتقط هذا المشهد الجميل الرقيق .
:ـ ما تفعل ـ يا علي ـ ؟
:ـ أسجل هذه اللحظة الجميلة التي أعشقها ـ يا أمي ـ وأنت تتفننين في صنع الكوريشي .
:ـ أما ينبغي أن تنتظر حتى أستعد ؟، ثم إني كبرت على هذه الأشياء ـ يا ولدي ـ
:ـ لا لا .. كما أنت ، وما أجملك في هذا الوقت من اليوم ! تبدين فيه مع ضوء الغرفة الخافت كالبدر اللامع ، وكأنك على عهد مع الشمس تذهب هي وتبقين أنت تنيرن ليل بيتنا الهادىء الجميل ..
:ـ إيهٍ إيهٍ .. من يومك وأنت شاعر !
:ـ وهل يرى أحد أمه بهذا الجمال وهذه الرقة ولا يشعر .. تصوري أنك مع كل هذه المصابيح التي تملأ الغرفة تحبين أن تشتغلي على ضوء هذا القنديل الصغير الذي يعمل بالكيروسين ويحرك الهواء ضوءه، لكن أجمل ما فيه أنه يظهر جمال شعرك الناعم الذهبي المصفوف والمشدود للخلف ، ويُحرِّك ظلال أثاث الغرفة وكأنها نابضة بالحياة تلهو وتلعب من حولك .. أكاد أجزم أنك تجيدين صنع الكوريشي وأنت مغمضة العينين على صعوبته ودقته .. تتقنين شيئا لم نتقنه نحن يا أمي وكأنك تصنعين حياة مع كل قطعة كوريشي تصنعينها تضمين الخيوط بعضها بجانب بعض أو فوق بعض وتكونين وحدادت متراصة تكبر شيئا فشيئا وكأنه حلم تنمينه فيكبر بين يديك طولا وعرضا .. تقطعين خيط الصوف منفردا فإذا ضممته لخيط آخر وخيوط أخرى اشتد وقوي وصعب تمزيقه .. أتذكرين تلك الكوفية التي أرتديها ؟ ..
:ـ نعم نعم أنا لا أنسى مصنوعاتي أبدا صنعتها لك من صوف ناعم لأني أعلم أن بشرتك حساسة من الصوف الخشن ، واللون الذي تحبه أيضا ، واضطررت لصنع مثليها لأخويك لما أعجبتْهما مع أنهما طلبا ( الأيس كاب ) من قبل ، بل وأذكر أيضا لون كل مصنوع ونوع غرزته فلكل واحد لونه الذي يحبه والغرزة التي تناسب ذوقه وهذا ما أدركه تماما ..
:ـ لم تفرقي أبدا في معاملتنا ولم نشعر بذلك أبدا تقولين دائما : كلكم عندي واحد هههه لكننا كنا نخاف جدا عندما نغضبك وأنت تشتغلين فتشيحين بيدك هكذا وأنت تمسكين إبرة الكوريشي ذات النصل المعقوف، وكأنها سهم أو حربة كنا نبتعد مباشرة في هذه اللحظة معتذرين ونكف عما يغضبك مع أننا كنا متأكدين أن أحدا منا لن تصيبه هذه الإبرة الضخمة بسوء ..
:ـ جِدْ لي نظارتي ـ يا علي ـ .. ابحث عنها هنا أو هناك أحتاجها .
:ـ أين تضعينها ؟ سأقوم أبحث عنها في درج ( الكومودينو ) .. يبدو أنها ليست هنا ...
:ـ تعال تعال ـ يا علي ـ يظهر أنك بحاجة لنظارة ، إنها هنا على عيني.
:ـ تخيلي .. ههههههه ... حفظ الله عينيك الزرقاوين كموج البحر .. قولي لي ما هذا الذي تصنعين يبدو شالا ؟
:ـ صحيح .. هذا شال صغير لـ ( حنين ) ابنة أخيك ( ماهر ) شاهَدَتْه في أحد المحال، وأعجبتها غرزته، فصورته وأنا نفذته لها .. سأعطيه لها هدية في عيد ميلادها .. كيف يبدو ؟
:ـ رائع ـ يا أمي ـ صِرت تصنعين للأحفاد أيضا ـ أطال الله بقاءك ـ هذا يعني أنك تسايرين موضة شباب هذه الأيام بل وتصنعينها أيضا ، لا شك سيعجبها، واللون الأسود هي تحبه .. أتذكرين يا أمي ( طابور الذنب ) هههههههه.. عندما كنت أقصر في واجبات المدرسة ويشتكي أحد المدرسين تقولين لن أضربك فقط قف بجواري وقل مع كل غرزة كوريشي ( أنا غلطان ) عشر مرات لا تفلت منك غرزة واحدة وإلا أعدت العد من البداية .
:ـ ههههه ، وكنت أنا أسبق العد فتخطيء غرزة فتعيد العد من البداية وهكذا حتى تصل ألف عشرة ههههه .. كل هذا وأنت واقف على قدميك في وضع انتباه يا عسكري .. هههه .. إيييييه لقد تعوَّدتُ هذه الكلمة من أبيك ـ رحمه الله وكتبه من الشهداء ... نحن في شهر أكتوبر سنذهب الأسبوع القادم للمقابر لزيارته ـ إن شاء الله ـ .
البابُ يُفْتَح، فيدخل ( ماهر ) ومعه ( حنين ) ترتدي الشال الكوريشي الأسود : ـ إيهٍ ـ يا ( علي ) ـ أما زلت تجلس وحدك ـ يا أخي ـ ... منذ الوفاة وأنت لا تمل مشاهدة هذا الـ ( دي في دي ) .. هيا هيا .. قُمْ .. نحن ذاهبون للمقابر اليوم، إنًّه العاشر من أكتوبر سنويةُ أبيك وأمك ـ رحمهما الله ـ .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( كوريشي )
--------؛------
قصة قصيرة للأديب / محمد شعبان ___________________
في مثل هذا الوقت من اليوم يحب أن يجلس ( علي ) مع أمه التي تقوم بعمل منسوجات الكوريشي، في هذه المرة أحضر معه كاميرته الرقمية وثبتها على الحامل الخاص بها ليلتقط هذا المشهد الجميل الرقيق .
:ـ ما تفعل ـ يا علي ـ ؟
:ـ أسجل هذه اللحظة الجميلة التي أعشقها ـ يا أمي ـ وأنت تتفننين في صنع الكوريشي .
:ـ أما ينبغي أن تنتظر حتى أستعد ؟، ثم إني كبرت على هذه الأشياء ـ يا ولدي ـ
:ـ لا لا .. كما أنت ، وما أجملك في هذا الوقت من اليوم ! تبدين فيه مع ضوء الغرفة الخافت كالبدر اللامع ، وكأنك على عهد مع الشمس تذهب هي وتبقين أنت تنيرن ليل بيتنا الهادىء الجميل ..
:ـ إيهٍ إيهٍ .. من يومك وأنت شاعر !
:ـ وهل يرى أحد أمه بهذا الجمال وهذه الرقة ولا يشعر .. تصوري أنك مع كل هذه المصابيح التي تملأ الغرفة تحبين أن تشتغلي على ضوء هذا القنديل الصغير الذي يعمل بالكيروسين ويحرك الهواء ضوءه، لكن أجمل ما فيه أنه يظهر جمال شعرك الناعم الذهبي المصفوف والمشدود للخلف ، ويُحرِّك ظلال أثاث الغرفة وكأنها نابضة بالحياة تلهو وتلعب من حولك .. أكاد أجزم أنك تجيدين صنع الكوريشي وأنت مغمضة العينين على صعوبته ودقته .. تتقنين شيئا لم نتقنه نحن يا أمي وكأنك تصنعين حياة مع كل قطعة كوريشي تصنعينها تضمين الخيوط بعضها بجانب بعض أو فوق بعض وتكونين وحدادت متراصة تكبر شيئا فشيئا وكأنه حلم تنمينه فيكبر بين يديك طولا وعرضا .. تقطعين خيط الصوف منفردا فإذا ضممته لخيط آخر وخيوط أخرى اشتد وقوي وصعب تمزيقه .. أتذكرين تلك الكوفية التي أرتديها ؟ ..
:ـ نعم نعم أنا لا أنسى مصنوعاتي أبدا صنعتها لك من صوف ناعم لأني أعلم أن بشرتك حساسة من الصوف الخشن ، واللون الذي تحبه أيضا ، واضطررت لصنع مثليها لأخويك لما أعجبتْهما مع أنهما طلبا ( الأيس كاب ) من قبل ، بل وأذكر أيضا لون كل مصنوع ونوع غرزته فلكل واحد لونه الذي يحبه والغرزة التي تناسب ذوقه وهذا ما أدركه تماما ..
:ـ لم تفرقي أبدا في معاملتنا ولم نشعر بذلك أبدا تقولين دائما : كلكم عندي واحد هههه لكننا كنا نخاف جدا عندما نغضبك وأنت تشتغلين فتشيحين بيدك هكذا وأنت تمسكين إبرة الكوريشي ذات النصل المعقوف، وكأنها سهم أو حربة كنا نبتعد مباشرة في هذه اللحظة معتذرين ونكف عما يغضبك مع أننا كنا متأكدين أن أحدا منا لن تصيبه هذه الإبرة الضخمة بسوء ..
:ـ جِدْ لي نظارتي ـ يا علي ـ .. ابحث عنها هنا أو هناك أحتاجها .
:ـ أين تضعينها ؟ سأقوم أبحث عنها في درج ( الكومودينو ) .. يبدو أنها ليست هنا ...
:ـ تعال تعال ـ يا علي ـ يظهر أنك بحاجة لنظارة ، إنها هنا على عيني.
:ـ تخيلي .. ههههههه ... حفظ الله عينيك الزرقاوين كموج البحر .. قولي لي ما هذا الذي تصنعين يبدو شالا ؟
:ـ صحيح .. هذا شال صغير لـ ( حنين ) ابنة أخيك ( ماهر ) شاهَدَتْه في أحد المحال، وأعجبتها غرزته، فصورته وأنا نفذته لها .. سأعطيه لها هدية في عيد ميلادها .. كيف يبدو ؟
:ـ رائع ـ يا أمي ـ صِرت تصنعين للأحفاد أيضا ـ أطال الله بقاءك ـ هذا يعني أنك تسايرين موضة شباب هذه الأيام بل وتصنعينها أيضا ، لا شك سيعجبها، واللون الأسود هي تحبه .. أتذكرين يا أمي ( طابور الذنب ) هههههههه.. عندما كنت أقصر في واجبات المدرسة ويشتكي أحد المدرسين تقولين لن أضربك فقط قف بجواري وقل مع كل غرزة كوريشي ( أنا غلطان ) عشر مرات لا تفلت منك غرزة واحدة وإلا أعدت العد من البداية .
:ـ ههههه ، وكنت أنا أسبق العد فتخطيء غرزة فتعيد العد من البداية وهكذا حتى تصل ألف عشرة ههههه .. كل هذا وأنت واقف على قدميك في وضع انتباه يا عسكري .. هههه .. إيييييه لقد تعوَّدتُ هذه الكلمة من أبيك ـ رحمه الله وكتبه من الشهداء ... نحن في شهر أكتوبر سنذهب الأسبوع القادم للمقابر لزيارته ـ إن شاء الله ـ .
البابُ يُفْتَح، فيدخل ( ماهر ) ومعه ( حنين ) ترتدي الشال الكوريشي الأسود : ـ إيهٍ ـ يا ( علي ) ـ أما زلت تجلس وحدك ـ يا أخي ـ ... منذ الوفاة وأنت لا تمل مشاهدة هذا الـ ( دي في دي ) .. هيا هيا .. قُمْ .. نحن ذاهبون للمقابر اليوم، إنًّه العاشر من أكتوبر سنويةُ أبيك وأمك ـ رحمهما الله ـ .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق