السبت، 12 سبتمبر 2015

الشعرالعباسي بين الكلاسيكية والتجديد - القسم السادس بقلم- د فالح الحجية الاوزان ( العروض) والقوافي:


اما علم العروض او علم اوزان الشعر وكيفية نظم الشعر والنطق به والفارق بين الشعر والنثر فنشأ بنشوء الشعر فهو روح الشعر وحركته اذا اتفق مع حسن المعاني وارتبط بافضل الاساليب او قل هو النغم او الموسيقي التي تسري في جسد الشعر العربي ومن خلال الاذن الموسيقية العربية لا نشاء الشعر او سماعه او تذوقه.
فلم يكن العربي بحاجة الى تلقي موسيقى الشعر عن طريق الدراسة او تثبيتها باوزان معينة بل كانت الاذن الموسيقية لدى العربي مرهفة صاغية حساسة الى مدى بعيد خلال العصور الجاهلي وصدر الاسلام والاموي فانشد العربي الشعر على انغام و اصوات حركة الابل وسيرها في ليل او نها ر او من خلال تهادي المرء العربي وهو راكب عليها تتهادى به قليلا قليلا او امراة تهتز فوق ظهره في هودجها او من حركة الهواء الضارب في تلك الخيام التي يسكنها وعبثه فيها ا و من شدة حركة الخيل الزاحفة للقتال , فمن كل هذه ومن غيرها وجدت الموسيقى الشعرية وتطورت فبقيت الاذن العربية عارفة انغامها في الشعر و ترابطها او بعض معايبها كطيها وخبنها وزحفاتها او اوتادها واعمدتها ورويها والقول في هذا الموضوع طويل- لاحظ مقالتي بعنوان ( النغم الايقاع )المنشورة في كتابي( في الادب والفن) وفي مدونتي على النت او موقعي فيه ( اسلام سيفلايزيشن ) .
ازدحمت الحياة وكثر اللغط وتشابكت الاصوات كلما كثرت البشرية واختلطت ببعضها فكثرت على الاذن العربية كل هذه الاصوات واختلفت نغماتها بعد تطور الحياة وازدهارها وتمازج العرب بالاعاجم وبالحياة العامة والحضارة الاممية وتشابكها والاسواق وما فيها من لغظ وضجيج فاصبح من الضروري ايجاد امر مكتوب لتفهمه وتتذوقه ويعينها او تعين الاذن في نشاته او عند سماعه فنشأ علم العروض في العصر العباسي الاول على يد الخليل بن احمد الفراهيدي البصري .
درس هذا العالم العربي الجليل كل ما قاله الشعراء ودرس الاصوات ونغماتها ومخارج الحروف من الحلق والتباين بين نغمة واخرى وقيد كل ذلك . فأوجد ان الشعر العربي قديما وحديثا لا تتعدى انغامه الخمسة عشر نغما اسماها بحورا هي بحور الشعر العربي الذي انشد فيها الشعراء العرب - ولا يزالون - قصائدهم واشعارهم .
ثم جاء من بعده تلميذه الاخفش و اجهد نفسه في الدراسة ليجد بحرا اخر ابتكره ابتكارا من خلال معرفته الواسعة في الموسيقى الشعرية اسماه (المتدارك) تدارك به اخر النغمات من حيث الوزن الشعري فاصبحت بحور الشعرالعربي ستة عشرا بحرا هي التي ينظم بها الشعراء قصائدهم واشعارهم .
وهذه هي اذكرها مع تفاعليها:
1- الطويل : وأصل تفاعيله:
فعولن مفاعيلن فعولن مفاعل .
2- المديد : وأصل تفاعيله:
فاعلاتن فاعلن فاعلاتن فاعلن .
3- البسيط : وأصل تفاعيله:
مستفعلن فاعلن مستفعلن فاعلن .
4- الوافر : وأصل تفاعيله:
مفاعلتن مفاعلتن مفاعلتن .
5- الكامل : وأصل تفاعيله:
متفاعلن متفاعلن متفاعلن
6- الهزج وأصل تفاعيله:
مفاعيلن مفاعلين مفاعلين .
7- الرجز وأصل تفاعيله:
مستفعلن مستفعلن مستفعلن .
8- الرمل وأصل تفاعيله:
فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن .
9- السريع وأصل تفاعيله:
مستفعلن مستفعلن مفعولات.
10- المنسرح وأصل تفاعيله:
مستفعلن مفعولات مستفعلن .
11- الخفيف وأصل تفاعيله:
فاعلاتن مستفع لن فاعلاتن.
12 - المضارع وأصل تفاعيله:
مفاعيلن فاع لاتن مفاعيلن .
13- المقتضب وأصل تفاعيله:
مفعولات مستفعلن مستفعلن .
14- المجتث وأصل تفاعيله:
مستفع لن فاعلاتن فاعلاتن
15- المتقارب وأصل تفاعيله:
فعولن فعولن فعولن فعولن .
16- المتدارك ( ويسمى الخبب أو المحدث )
وأصل تفاعيله:
فاعلن فاعلن فاعلن فاعلن .
وفي نظرة لتفعيلات هذه البحور نجد ان بعضها يتكون من تفعلية واحدة تتكرر عدة مرات وهذه البحور هي الوافر والكامل والهزج والرجز والرمل والمتقارب والمتدارك وهذه البحور السبعة اطلق عليها البحور الحرة ومن هذه التسمية جاء لفظ ( الشعرالحر) حديثا حيث تلاعب الشعراء في اوزان هذه البحور السبعة مستخدمين نفس البحر لكن بعدد تفعيلات قد تختلف في عددها عن البحر الاصلي الخليلي من دون ان يكون هناك صدر للبيت او عجز مستخدمين السطر الشعري فيكون عدد التفعيلات فيه واحدة او اثنتان او ثلاث او ربما تسع في الاكثر ولطلقوا عليه ( الشعرالحر ) .
الا ان هذه البحور لم تبق على حالها فقد اجتزئت ونهكت ولحقها التغيير او انشطرت فنظمت القصائد بمجزوء البحر اومشطوره ودخلت اليها بعض الامراض العروضية مثل الخبن والطي والزحاف و...
لاحظ الشاعر صريع الغواني في الغزل يقول :
يا أيها المعمود قد شفك الصدود
فأنت مستهام خالفك السهود
تبيت ساهرًا قد ودعك الهجود
وفي الفؤاد نار ليس لها خمود
تشبها النيران من الهوى وقود
إذا أقول يومًا قد أطفئت تزيد
يا عاذلي كفى فإنني معمود
وقد ألمّ الشعراء العباسيون بالأوزان التي أخرجها الخليل ونظموا في تفعيلاتها وكان افضلها واقربها واطوعها للغناء هي الأوزان القصيرة كالمجتث والقتضب ومجزؤء الكامل والهزج وغيرها من البحور المجزوءة التي تستدعي الرشاقة والعذوبة وتلائم حياة القصور والحانات والخمائل وساعات الانس والطرب وما يحبب النغم إلى النفسِ او أكثر استجابتها للغناء وطواعية للنغم الموسيقي.
لاحظ ابا نؤاس حيث يقول :
حامل الهوى تعب يستخفه الطرب
إنْ بكى يحقُ لـه ليسَ ما به لعبُ
تضحكين لاهية والمحب ينتحبُ
كلما انقضى سببٌ منكِ عاد لي سببُ .
وكذلك الاوزان الشعرية وبحور الشعر العربي ازدادت وتطورت فظهرت بحور جديدة واوزان لم تكن معروفة من ذي قبل مثل الموشح والزجل اللذان ظهرا لاؤل مرة في بلاد الاندلس ثم انتشرا في المشرق بعد ذلك ثم المواليا والمزدوج والمسمط والمربع والمخمس تبعا لتطور حالة المجتمع وحاجته للنغم والغنائية . هذا بالاضافة الى التغيير في الفاظ الشعر واساليبه . فقد افتتح الشعراء قصائدهم بالغرض الذي نظمت القصيدة من اجله في بعض الاحيان عازفين عما كان الشعراء يسيرون عليه من استهلال القصيدة بالغزل ا و البكاء على الاطلال ولو ان بعضا منهم ظل ينشد على الطريقة المالوفة.
كما تصرف بعض الشعراء بالأوزان كما ذكرت واستحدثوا أوزاناً أخرى تنسجم مع روح العصر مثل أبي العتاهية الذي كان من أشهر الذين ابتكروا في الأوزان الشعرية لما يقول من الشعر . وهذا التجديد الموسيقي باستخدام هذه القوافي استخدمه في قوله:
وذوو المنابر والعساكر
والحضار والمدائن والقرى
وذوو المواكب والكتائب والنجائب
والمراتب والمناصب في العلى
وقد قال ابن قتيبة فيه :
( وكان لسرعته وسهولة الشعر عليه ربما قال شعراً موزونا يخرج به عن أعاريض الشعر وأوزان العرب )
اما القوافي فهي تعتمد على الحرف الاخير من البيت الشعري وحركته وحركة الحرف الذي قبله ويسمى الروي فقديما كانت القصيدة نهاية ابياتها كائنة على وتيرة واحدة ونسق واحد وروي واحد مهما طالت القصيدة او قصرت فهي من بحر واحد وقافية واحدة ويشكل الحرف الاخير قافية القصيدة فيقال هذه قصيدة بائية اذا كانت قافيتها منتهية بحرف الباء ورائية اذا كانت قافيتها منتهية بحرف الراء وهكذا يقال ميمية ونونية ر و.......
ومن تجديد الشعراء العباسيين في القافية استخدامهم للمسمطات. التي جاءت غالباً على بحر الرجز. وهي قصائد تتألف من أدوار وكل دور يتكون من أربعة أشطر أو أكثر، تتفق كلها في القافية، ما عدا الشطر الأخير. الذي يستقل بقافية مغايرة، ويتحد في ذات القوت مع الشطور الأخيرة في الأدوار المختلفة. ولذلك يسمى عمود المسمطة أي محوره الذي يرتكز عليه.
ومن السهل أنه يمكن ترتيب هذه المسمطات ترتيباً آخر تخرج
به عن المسمطات، إلى وزن عادي يتضمن قوافي داخلية، فتصبح وقد اكتسبت لوناً آخر من الوان التجديد لمسناه عند كثير من الشعراء العباسيين:
سلاف دن كشمس دجن
كدمع جفن كخمر عدن
طبيخ شمس كلون ورس
ربيب فرس حليف سجن
يا من لحاني على زماني
اللهو شاني فلا تلمني
وقد وصل أمر التجديد في القافية إلى تحرر بعض الشعراء منها تحرراً كاملاً، بحيث حقق الشاعر وخاصة في العصرالعباسي الثاني قدراً كبيراً من التطور بموسيقى شعره ، فأضاف إلى الاستعمالات السابقة للحبور استعمالات أخرى، ونظم بعضهم شعره على بحر جديد ( المتدارك ) الذي اكتشفه الأخفش.
كما عمد بعض الشعراء إلى البحور الشعرية المهجورة في ، فأحياها، فاصبحت قوالب موسيقية مألوفة تتسع لكثير من التجارب الفنية. ومن هذه البحور بحر المقتضب الذي نظم فيه ابو نؤاس قصيدته :
حامل الهوى تَعِبُ
يستخفه الطرب
إن بكى يحق له
ليس ما به تعب
وهم بذلك يصبحون الآباء المقدمين في التجديد الموسيقى الذي طرأ على الشعر العربي في العصر الحديث والذي تخلص، إلى حد كبير، من القافية التي كان يراها شعراؤه قيداً يحد من إبداعهم، ويعوق خطواتهم .
وفي العصر العباسي ا وجد التطور انواعا اخرى من القصيد منها المربع ومنها المخمس والمشطور فالمربعات تكون من عدة ادوار وكل دور يتكون من اربعة اشطر متحدة القافية والقافية فيها تختلف من دور لاخر. أما المخمسات فهي تتألف من عدة أدوار يتكون الواحد منها من خمسة أشطر الأربعة الأولى منها متحدة القافية و التي تختلف من دور لآخر، على حين أن الخامس يظل على قافية موحدة في جميع الأدوار . والمشطور هو النظم بنصف البيت الشعري او بمعنى اخر بنصف تفعيلات البحر الذي نظم فيه البيت ومنها ما يسمى الموشح والذي ظهر في بلاد الاندلس ثم انتشر في المشرق ايضا كقول الشاعر العباسي ابن المعتز :
يا حلو يا اسمر غنى بك السمر
رقوا ورق الهوى في كل ما صورا
---------------------
ما الشعر ماسحره ما الخمر ماالسكر
يندى على ثغرك من انفاسك العنبر
--------------------------
والليل يغفو على شعرك او يقمر
انت نعيم الصبا والامل الاخضر
ما لهوانا الذي اورق لايثمر
-------------------------
قد كان من امرنا ماكان هل يذكر
نعصر من ر وحنا اطيب ما يعصر
----------------------------
نوحي الى الليل ما يبهج او يسكر
نبنيه عشا لنا ياحلو يا ا سمر
******
وكذلك وجدت المواليا والزجل وقد دخلت فيها اللهجة العامية او المحلية كثيرا وهكذا الا ان الجميع كانت تحتكم الى البحور الشعرية العربية الستة عشر ولا تخرج عنها الا نادرا وحسب مقتضيات القصيدة والضرورة الشعرية التي اجازت للشاعر ما لم تجزه لغيره.
امير البيــــــــان العربي
د .فالح نصيف الكيلاني
العراق- ديالى - بلد روز
*****************

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق