الأربعاء، 24 سبتمبر 2014

الرسالة.../ قصة .../ الكاتبة والشاعرة .../ خديجة السعدي .../ العراق ....


الرسالة
خديجة السعدي
اعتدتُ أن أتوسّد الذكريات وأحتضن الحنين، وأن أغفو مصطحبة ألمي في مدن الشتات المختلفة. لكنّ ليلة البارحة لم تكن كباقي الليالي، ولم يكن حلمي عادياً.
فبعد أن علّقتُ صورة أمي المؤطّرة بإطار أسود على الحائط المقابل لسريري، حلمت بها. كانت ملامحها قد تغيّرت كثيراً، ولا سيما الجانب الأيسر من وجهها. كانت خطواتها واهنة، وكأنها تجرّ وراءها ثقل أيام طويلة، يكتنفها صمت مشوب بمرارة عميقة. وقفتْ أمامي مضطربة، حزينة، والنور الذي كان يلفّها أخذ ينحسر تدريجياً عن جانبها الأيمن حتى غرقت في الظلام. بعد لحظات، سقط جسدها بالقرب مني. كان الجسد دون أطراف، يحدّق فيّ بعينين فزعتين.
نهضتُ محاولةً نسيان الحلم المزعج. اتجهتُ صوب الصورة المعلّقة على الجدار وأخذتْ أطراف أناملي تمسح الصورة وتتحسس زجاجها بتردد. ربما كانت الصورة سبب حلمي الغريب، أو هو الحنين إلى أمي.. لم يكن من سبيل لمعرفة ذلك.
بعد أن فارقتُها، صارت الغربة تنهش فيّ كوحش ضارس؛ تمتصّ حيويّتي وتجعلني ألهث وراء الأخبار. وفي غمرة الألم والحيرة، تذكرتُ أن شيرين ربما تكون قد عادت بمعلومات أسكّن بها أوجاعي. في الطريق إليها، كان يعتصرني ألم حادّ في أعلى معدتي. لا أدري كيف وصلت.
عند باب السكن الطلابيّ لكلية الهندسة، فاجأني أنني أرتدي ثياباً أنيقة. حاولت أن أتذكر متى بدّلت ملابسي، لكن البوّابة قاطعتني: امرأة في عقدها السابع، ذات ملامح هادئة ونظرة مشرقة.
"صباح الخير."
صعدتُ إلى الطابق الخامس بالمصعد الكهربائي. كان نظيفاً وشديد الإضاءة. طرقت الباب رقم 57، متوقّعةً أن لا يفتح أحد. فُتح الباب وظهرت شيرين وإمارات الدهشة تعلو وجهها.
"كنت سآتي إليكِ اليوم،" قالت وأدخلتني.
بينما كانت تناولني قطعة خبز مدهونة بالزبدة البلروسية ومربّى التفاح، سألتها:
"أين الرسالة؟"
اتّسعت عيناها دهشة، وبهدوء خطت في اتجاه خزانة الملابس وهي لا تزال تحدّق فيّ. تناولتُ المغلّف المفتوح بيد مرتعشة. كنتُ كسعفة في مهبّ الريح. رشفتُ قليلاً من الشاي "الكراسناداري" ذي الرائحة المميّزة ولم أجرؤ على إخراج الرسالة. قطعتْ شيرين حبل الصمت متلعثمة:
"لقد.. مات أ...بوكِ."
من بين الدموع، كانت صورة أمّي، بجسدها المبتور الأطراف، ترتسم على الورقة كلما حاولتُ قراءة الرسالة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق