قراءة في *صافرة الخذلان* للشاعر شلال عنوز
.........الناقدة / عزّه الخزرجي
(صافرة الخذلان)
.................نص /شلال عنوز
باكياً كان يوم أمس ..
دموعه تهرول في..
..........انهيارات اللوعة
تغسل أوجاع النهر..
............بملح العيون
ترقص على شطآن الألم ..
............بمجذاف التوجّس
تكتب على أخاديد المحنة...
....... زفير الأسى
...............بجمر القلق
...تشبُّ حرائق من ندم
........على جفون البراكين
باكياً كان يوم أمس...
زرافات من أمانٍ
............يشربها الوحل
....يغرق في بِركها الآسنة
....................... ترياق المساء
.....يتبخّر على تنهّداتها
...................شفيف الندى
......تموت على تفحّم جذوعها
........................سوابيط الخضرة
مَن قال أنّ الدموع لا تحترق؟
وهي مشتعلة منذ اصطفاف الغسق..
من يطفيءُ هذا اللظى ..,
........ يختنُ سرّة الزمن العاهر؟
كل المجاهيل تنام في القيلولة
....ثمّ تصحو على صافرة الخُذلان
.........ساهرة لم تنم
......................يأكلُها ألأرق...
.................................
//قصيدة الرؤيا ليست بسطا أو عرضا لردود فعل من الناس ازاء العالم وليست مرآة للانفعال غضبا كان أو سرورا أو حزنا وانَما هي حركة ومعنى تتوحد فيها الأشياء والنفس الواقع والرؤيا //
أدونيس زمن الشعر
ولنا أن نتساءل كبف ابتنى الشاعر شلال عنوز في قصيدة صافرة الخذلان منطق الجدل بين العناصر المولَدة لتلك الحركة حتى يندرج النصً الشعري ضمن ما يسمَى في الشعر الحديث بالقصيدة الرؤيا ؟
أ- في قراءة العنوان
نلج عالم النصً من ايقونة علاميَة يتشح به صدر القصيدة ممَا يوحي ولا يفصح يوميء ولا يبين* صافرة الخذلان* بادراك عميق أنَ قارىء الشعر عامة والشعر الحديث خاصًة // كالمغترف من عدً لا ينقطع والمستخرج من معدن لا ينتهي// على حد تعبير عبد القاهر الجرجاني
ومع ذلك ومع هذا الوعي بأن مساءلة المعنى في هذا العنوان ذي المنحى الاستعاري تزيدنا حيرة ازاء ابعاده ودلالاته نقف عند هذه العتبات في شوق عارم حتى يبوح النص في اختزاله على مستوى العنوان وانتشاره على مستوى متنه ببعض
ايماءاته
وأول ما يستوقفنا الصافرة اذ انها أداة تصويت ولكنه ضرب منه في ارتباط وثيق بالخطر المحدق اذ انها تستعمل لقرع الأسماع امًا تنبيها أوانذارا بخطر داهم ولا أدلَ على ذلك من صافرات الانذار عند الغارات الجوية أو عند الفزع وتتكثَف معاني التوجس وأجواء الفرق والخوف باضافة هذه الصافرة الى الخذلان وخيبات الأمل وانكساراتها وارتطاماتها العنيفة عقب مخالفة فاجعة لأفق الانتظارات
وهكذا ما ان اقترنت الصافرة بالخذلان في علاقة نحوية بعينيها الاضافة حتَى حلَت عرى وأبرمت أخرى وما من عروة وثقى بين الصافرة والخذلان الاَ عروة جرس يقرع الأسماع ويهزَ الوجدان هزَا تحت وقع الخيبات ومرارتها
ب- بناء القصيدة ونسيجها الداخلي وابعاده
توزَع متن القصيدة الموسومة بصافرة الخذلان على أربعة مقاطع ذات نسق تزويعي دالَ
فأمَا المقطع الأول فقد ضمَ اثنتي عشر سطرا شعريَا وهو الأطول والأكبر حجما وهو مقطع نضح الدموع الحارقة المحرقة احتراق جمر غضا في ديموته و توقده ولهيبه وبين هذا المقطع وذاك حلقة واصلة فاصلة انها الايقونة المتدلية على صدر قصيدة *صافرة الخذلان* باكيا كان يوم الأمس واللازمة المتكررة التي تكسب النص الشعري انتظامه واتقان سبكه
وأمَا المقطع الثاني فمكوناته أسطر تسعة موالية ومدارها وقطب رحاها يدور حول الكشف عن علَة بكاء مازجته نار ولظاها وما امتزجت به اذ من البديهي أن يكون لهذا العالم الحزين والأمس الكئيب علله وأسبابه
زرافات من أمانٍ
............يشربها الوحل
....يغرق في بِركها الآسنة
.......................
وأمَا المقطع الثالث فشهد تحوَلا على مستوى صياغة النص وأسلوله بمفارقة المنحى الخبري التصويري ومعانقة النهج الانشائي االطلبي استفهاما وتساؤلا ولكنه مفارق لمعناه الأصلي المتواضع عليه في أصل اللغة منفتح على دلالات الانكار لمزاعم ودحضها أولا
مَن قال أنّ الدموع لا تحترق؟
وهي مشتعلة منذ اصطفاف الغسق..
والاستنجاد والضراعة ثانيا
من يطفيءُ هذا اللظى ..,
........ يختنُ سرّة الزمن العاهر؟
استصراخا لكل أذن واعية بصافرة خذلان حتى تشارك المكتوي بسياط نار القلق التفكيير للبحث عن فيء السكينة والطمأنينة للاحتماء بظلها من جحيم توتر بلغ منتهاه
وأمَا المقطع الرابع والاخير وهومصب القصيدة فكان مقطع الاقرار والتسليم بأنَ لا فكاك من أتون السهاد وجحيمه وصافرة الخذلان دائبة في قرعها المفزع تقض مضجع من تجتاحه نيران الحيرة ازاء واقع على شفا بركان قد نشط للتوَ في اضطرامه العارم
كل المجاهيل تنام في القيلولة
....ثمّ تصحو على صافرة الخُذلان
.........ساهرة لم تنم
......................يأكلُها ألأرق..
واجمالا فبناء القصيدة بمقاطعها الأربعة غير المتناسبة حجما وصياغة اتخذ منحى تنازليا في اتساق مع دلالات الاضطراب والفزع والاشفاق من انحدار الى هوة الخيبات لتلعلع صافرة الخذلان بايقاعها المفجع ولا شكَ ان كل سقوط من عل وارتطام يحدث صوتا قويَا مفزعا يذكَر بصافرات الخطر الداهم اشرافا على الموت أو شروعا في التوغل في دروبه ومتهات التلاشي به أو اطلاقا لنداءات الاستغاثة والاستنجاد
فهل كانت صافرة الخذلان اعلانا عن المنتهى قبل الابتداء.؟ وكيف طويت مسافات وعود الانتظارات المشرقة واقتصدت قبل البدء في ارتيادها والسير في أقاليمها في انسياب وهدوء ؟
ولا شكَ أنَ هذا النسق المتهاوي سيكون له أثر في صور النص الشعري ولوحاته التي قدَ منها
ج- الصورة الشعريَة بين طابعها الاستعاري ومنحاها الرمزي
ما يسترعي الانتباه في الصور الشعرية في قصيدة *صافرة الخذلان* أنَها متسربلة بأحاسيس المتكلَم وهي ليست الا وجها من وجوه انفعالاته شكَلها على هيئات مخصوصة ومن تقصَي النظر في هذه الصور بان بأنها لا يتأتَى ادراك بعض من جوانبها دون وصلها بالنسق الذي ينتظمها في النص َ الشعري فهي أي الصور مستلهمة من احساس الشاعر شلال عنوز بالشيء لا من الشيء نفسه حتى لتستعصي قراءة هذه الصور متى سعى قارئها الى البحث عن علاقتها بمراجع خارجة عنها وهو ما يضطره الى انشاء بلاغة الصور من منطق القصيدة والنسق الخفي الذي تجيء فيه في النص الشعري
واذ يتوغل الرائي في أصقاع يوم الأمس الذي كان باكيا حزينا يرصد حركته وحركة عناصر أخرى في تواشج معه ووصلة به منها النهر والدموع وملح العيون وقد اجتمعت هذه الحركات على توجه واحد الاضطراب والقلق فتنقلب الأشياء أيما منقلب في منطق الشعر والحلم منطق الحلم الطفولي ويرى الجدل الخفي بين // زرافات من أمان// متربص بها محاصرة عرضة للنهب والاستباحة يشربها الوحل وتغرق في بركه برك الوحل اللآسنة وانَها لمستنقعات التورط والورطة والفقد والموت فعند هذه المياه الراكدة يلقى الأمان حتفه
أما النهر فيصير الى الأمام ابدا ولكنَ لا يمكن لطقس تفجعي ولنسق اتحداري أن ينسل حركة مصعدة أو هاربة من اسار الحظر والمنع
وهكذا فانَ الاستعمال الاستعاري للدوال يجعلها تنقل من مجال رصد الظواهر مشاهدة الى استحضارها في الذهن والنفس وبذلك يتحقق التماهي بين ما ينشط في الذهن من حالات التوجس والقلق وما يقع في الطبيعة فالدموع التي ينضحها العالم الحزين عالم الذات ينعكس على عناصر الطبيعة كوجه من وجوه الاسقاط فيكون النهر ملتاعا مشاركا الأمس لوعته وأساه والشطآن متألمة وحتى المجداف يتلوَن بلون نفسية من كان قلقا مسهَدا فيفقد توازنه واتزانه خوفا وفرقا والندى يفارق سيرته الأولى وهكذا هم شعراء قصيدة الرؤيا على غوار السياب في قصيدته النهر والموت اذ يخاطب النهر بويب مخاطبة مشربة حسرة قائلا
اليك يا بويب
يا نهري الحزين كالمطر
ثمَ يتساءل في انكار وتعجب
أغابة من الدموع أنت أو نهر؟
وبذلك تمَ الانتقال بالزمن الأمس أو بالمكان النهر من المجال الخارجي المجال الباطني مجال النفس في اهتزازاتها العميقة وفي عصفها الذهني العاتي
وعلى ضوء ذلك لا يمكن أن تقتلع الصور من منابتها ولا يمكن أن تفكَ شفراتها الاَ بتنزيلها ضمن نسقها ومنطقها منطق القصيدة الذي نسلها واستدعاها دون سواها من الصور الأخرى
ومهما حاولنا الاحاطة بأبعاد هذه الصور القائمة على الرمز تظل القراءة غير خليقة باستنفاد كل طاقاتها اذ أجرى الشاعر شلال عنوز في قصيدته صافرة الحذلان الدوال مجرى رمزيا وقد فقدت سيرتها الأولى في الكلام العادي اذ أن الرمز //قلق في نصابه قليل الاستقرار في بابه//ولمَا كان النص الرؤيوي معدنه القلق فلا يمكن أن يصاغ الا صياغة رمزيَة تجعله واقفا في مهبَ الدلالات كما الشأن بالنسبة الى الرائي في قصيدة الرؤيا يكون على قلق دائب لا يني ولا يعرف برد اليقين ولا تدوي بأعماقه الا أصوات صافرات استشعار الخذلان العاصف بكل سكينة وسلام روحي
وما ننتهي اليه أن قصيدة صافرة الخذلان للشاعر شلال عنوز ينتظمها سلك خفي قدَ من جدل بين نهر عطل مجراه وأمس بكاه وبرك موحلة آسنة ومن هذا الجدل بين المتناقضين النهر وجريانه والبرك وسكونها تشكلت حركة النص وكأنها سير بأرض موحلة لا تورث الا شعورا بأن العالم أضحى ساحة لمحافل الدفن ولمواكب جنائزية يأخذ بعضها برقاب بعض لذا كان الأمس باكيا حزينا وكما أنً الآتي مقحم في تشييعه فيكتسب أحاسيس ليست الا اسقاطا لأحاسيس الشجن التي تنتاب كل راء
.........الناقدة / عزّه الخزرجي
(صافرة الخذلان)
.................نص /شلال عنوز
باكياً كان يوم أمس ..
دموعه تهرول في..
..........انهيارات اللوعة
تغسل أوجاع النهر..
............بملح العيون
ترقص على شطآن الألم ..
............بمجذاف التوجّس
تكتب على أخاديد المحنة...
....... زفير الأسى
...............بجمر القلق
...تشبُّ حرائق من ندم
........على جفون البراكين
باكياً كان يوم أمس...
زرافات من أمانٍ
............يشربها الوحل
....يغرق في بِركها الآسنة
....................... ترياق المساء
.....يتبخّر على تنهّداتها
...................شفيف الندى
......تموت على تفحّم جذوعها
........................سوابيط الخضرة
مَن قال أنّ الدموع لا تحترق؟
وهي مشتعلة منذ اصطفاف الغسق..
من يطفيءُ هذا اللظى ..,
........ يختنُ سرّة الزمن العاهر؟
كل المجاهيل تنام في القيلولة
....ثمّ تصحو على صافرة الخُذلان
.........ساهرة لم تنم
......................يأكلُها ألأرق...
.................................
//قصيدة الرؤيا ليست بسطا أو عرضا لردود فعل من الناس ازاء العالم وليست مرآة للانفعال غضبا كان أو سرورا أو حزنا وانَما هي حركة ومعنى تتوحد فيها الأشياء والنفس الواقع والرؤيا //
أدونيس زمن الشعر
ولنا أن نتساءل كبف ابتنى الشاعر شلال عنوز في قصيدة صافرة الخذلان منطق الجدل بين العناصر المولَدة لتلك الحركة حتى يندرج النصً الشعري ضمن ما يسمَى في الشعر الحديث بالقصيدة الرؤيا ؟
أ- في قراءة العنوان
نلج عالم النصً من ايقونة علاميَة يتشح به صدر القصيدة ممَا يوحي ولا يفصح يوميء ولا يبين* صافرة الخذلان* بادراك عميق أنَ قارىء الشعر عامة والشعر الحديث خاصًة // كالمغترف من عدً لا ينقطع والمستخرج من معدن لا ينتهي// على حد تعبير عبد القاهر الجرجاني
ومع ذلك ومع هذا الوعي بأن مساءلة المعنى في هذا العنوان ذي المنحى الاستعاري تزيدنا حيرة ازاء ابعاده ودلالاته نقف عند هذه العتبات في شوق عارم حتى يبوح النص في اختزاله على مستوى العنوان وانتشاره على مستوى متنه ببعض
ايماءاته
وأول ما يستوقفنا الصافرة اذ انها أداة تصويت ولكنه ضرب منه في ارتباط وثيق بالخطر المحدق اذ انها تستعمل لقرع الأسماع امًا تنبيها أوانذارا بخطر داهم ولا أدلَ على ذلك من صافرات الانذار عند الغارات الجوية أو عند الفزع وتتكثَف معاني التوجس وأجواء الفرق والخوف باضافة هذه الصافرة الى الخذلان وخيبات الأمل وانكساراتها وارتطاماتها العنيفة عقب مخالفة فاجعة لأفق الانتظارات
وهكذا ما ان اقترنت الصافرة بالخذلان في علاقة نحوية بعينيها الاضافة حتَى حلَت عرى وأبرمت أخرى وما من عروة وثقى بين الصافرة والخذلان الاَ عروة جرس يقرع الأسماع ويهزَ الوجدان هزَا تحت وقع الخيبات ومرارتها
ب- بناء القصيدة ونسيجها الداخلي وابعاده
توزَع متن القصيدة الموسومة بصافرة الخذلان على أربعة مقاطع ذات نسق تزويعي دالَ
فأمَا المقطع الأول فقد ضمَ اثنتي عشر سطرا شعريَا وهو الأطول والأكبر حجما وهو مقطع نضح الدموع الحارقة المحرقة احتراق جمر غضا في ديموته و توقده ولهيبه وبين هذا المقطع وذاك حلقة واصلة فاصلة انها الايقونة المتدلية على صدر قصيدة *صافرة الخذلان* باكيا كان يوم الأمس واللازمة المتكررة التي تكسب النص الشعري انتظامه واتقان سبكه
وأمَا المقطع الثاني فمكوناته أسطر تسعة موالية ومدارها وقطب رحاها يدور حول الكشف عن علَة بكاء مازجته نار ولظاها وما امتزجت به اذ من البديهي أن يكون لهذا العالم الحزين والأمس الكئيب علله وأسبابه
زرافات من أمانٍ
............يشربها الوحل
....يغرق في بِركها الآسنة
.......................
وأمَا المقطع الثالث فشهد تحوَلا على مستوى صياغة النص وأسلوله بمفارقة المنحى الخبري التصويري ومعانقة النهج الانشائي االطلبي استفهاما وتساؤلا ولكنه مفارق لمعناه الأصلي المتواضع عليه في أصل اللغة منفتح على دلالات الانكار لمزاعم ودحضها أولا
مَن قال أنّ الدموع لا تحترق؟
وهي مشتعلة منذ اصطفاف الغسق..
والاستنجاد والضراعة ثانيا
من يطفيءُ هذا اللظى ..,
........ يختنُ سرّة الزمن العاهر؟
استصراخا لكل أذن واعية بصافرة خذلان حتى تشارك المكتوي بسياط نار القلق التفكيير للبحث عن فيء السكينة والطمأنينة للاحتماء بظلها من جحيم توتر بلغ منتهاه
وأمَا المقطع الرابع والاخير وهومصب القصيدة فكان مقطع الاقرار والتسليم بأنَ لا فكاك من أتون السهاد وجحيمه وصافرة الخذلان دائبة في قرعها المفزع تقض مضجع من تجتاحه نيران الحيرة ازاء واقع على شفا بركان قد نشط للتوَ في اضطرامه العارم
كل المجاهيل تنام في القيلولة
....ثمّ تصحو على صافرة الخُذلان
.........ساهرة لم تنم
......................يأكلُها ألأرق..
واجمالا فبناء القصيدة بمقاطعها الأربعة غير المتناسبة حجما وصياغة اتخذ منحى تنازليا في اتساق مع دلالات الاضطراب والفزع والاشفاق من انحدار الى هوة الخيبات لتلعلع صافرة الخذلان بايقاعها المفجع ولا شكَ ان كل سقوط من عل وارتطام يحدث صوتا قويَا مفزعا يذكَر بصافرات الخطر الداهم اشرافا على الموت أو شروعا في التوغل في دروبه ومتهات التلاشي به أو اطلاقا لنداءات الاستغاثة والاستنجاد
فهل كانت صافرة الخذلان اعلانا عن المنتهى قبل الابتداء.؟ وكيف طويت مسافات وعود الانتظارات المشرقة واقتصدت قبل البدء في ارتيادها والسير في أقاليمها في انسياب وهدوء ؟
ولا شكَ أنَ هذا النسق المتهاوي سيكون له أثر في صور النص الشعري ولوحاته التي قدَ منها
ج- الصورة الشعريَة بين طابعها الاستعاري ومنحاها الرمزي
ما يسترعي الانتباه في الصور الشعرية في قصيدة *صافرة الخذلان* أنَها متسربلة بأحاسيس المتكلَم وهي ليست الا وجها من وجوه انفعالاته شكَلها على هيئات مخصوصة ومن تقصَي النظر في هذه الصور بان بأنها لا يتأتَى ادراك بعض من جوانبها دون وصلها بالنسق الذي ينتظمها في النص َ الشعري فهي أي الصور مستلهمة من احساس الشاعر شلال عنوز بالشيء لا من الشيء نفسه حتى لتستعصي قراءة هذه الصور متى سعى قارئها الى البحث عن علاقتها بمراجع خارجة عنها وهو ما يضطره الى انشاء بلاغة الصور من منطق القصيدة والنسق الخفي الذي تجيء فيه في النص الشعري
واذ يتوغل الرائي في أصقاع يوم الأمس الذي كان باكيا حزينا يرصد حركته وحركة عناصر أخرى في تواشج معه ووصلة به منها النهر والدموع وملح العيون وقد اجتمعت هذه الحركات على توجه واحد الاضطراب والقلق فتنقلب الأشياء أيما منقلب في منطق الشعر والحلم منطق الحلم الطفولي ويرى الجدل الخفي بين // زرافات من أمان// متربص بها محاصرة عرضة للنهب والاستباحة يشربها الوحل وتغرق في بركه برك الوحل اللآسنة وانَها لمستنقعات التورط والورطة والفقد والموت فعند هذه المياه الراكدة يلقى الأمان حتفه
أما النهر فيصير الى الأمام ابدا ولكنَ لا يمكن لطقس تفجعي ولنسق اتحداري أن ينسل حركة مصعدة أو هاربة من اسار الحظر والمنع
وهكذا فانَ الاستعمال الاستعاري للدوال يجعلها تنقل من مجال رصد الظواهر مشاهدة الى استحضارها في الذهن والنفس وبذلك يتحقق التماهي بين ما ينشط في الذهن من حالات التوجس والقلق وما يقع في الطبيعة فالدموع التي ينضحها العالم الحزين عالم الذات ينعكس على عناصر الطبيعة كوجه من وجوه الاسقاط فيكون النهر ملتاعا مشاركا الأمس لوعته وأساه والشطآن متألمة وحتى المجداف يتلوَن بلون نفسية من كان قلقا مسهَدا فيفقد توازنه واتزانه خوفا وفرقا والندى يفارق سيرته الأولى وهكذا هم شعراء قصيدة الرؤيا على غوار السياب في قصيدته النهر والموت اذ يخاطب النهر بويب مخاطبة مشربة حسرة قائلا
اليك يا بويب
يا نهري الحزين كالمطر
ثمَ يتساءل في انكار وتعجب
أغابة من الدموع أنت أو نهر؟
وبذلك تمَ الانتقال بالزمن الأمس أو بالمكان النهر من المجال الخارجي المجال الباطني مجال النفس في اهتزازاتها العميقة وفي عصفها الذهني العاتي
وعلى ضوء ذلك لا يمكن أن تقتلع الصور من منابتها ولا يمكن أن تفكَ شفراتها الاَ بتنزيلها ضمن نسقها ومنطقها منطق القصيدة الذي نسلها واستدعاها دون سواها من الصور الأخرى
ومهما حاولنا الاحاطة بأبعاد هذه الصور القائمة على الرمز تظل القراءة غير خليقة باستنفاد كل طاقاتها اذ أجرى الشاعر شلال عنوز في قصيدته صافرة الحذلان الدوال مجرى رمزيا وقد فقدت سيرتها الأولى في الكلام العادي اذ أن الرمز //قلق في نصابه قليل الاستقرار في بابه//ولمَا كان النص الرؤيوي معدنه القلق فلا يمكن أن يصاغ الا صياغة رمزيَة تجعله واقفا في مهبَ الدلالات كما الشأن بالنسبة الى الرائي في قصيدة الرؤيا يكون على قلق دائب لا يني ولا يعرف برد اليقين ولا تدوي بأعماقه الا أصوات صافرات استشعار الخذلان العاصف بكل سكينة وسلام روحي
وما ننتهي اليه أن قصيدة صافرة الخذلان للشاعر شلال عنوز ينتظمها سلك خفي قدَ من جدل بين نهر عطل مجراه وأمس بكاه وبرك موحلة آسنة ومن هذا الجدل بين المتناقضين النهر وجريانه والبرك وسكونها تشكلت حركة النص وكأنها سير بأرض موحلة لا تورث الا شعورا بأن العالم أضحى ساحة لمحافل الدفن ولمواكب جنائزية يأخذ بعضها برقاب بعض لذا كان الأمس باكيا حزينا وكما أنً الآتي مقحم في تشييعه فيكتسب أحاسيس ليست الا اسقاطا لأحاسيس الشجن التي تنتاب كل راء
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق