من مجموعتي ( نقوش عربية )
( ظروف وأشباح )
ـــــــــــــــــــــــــــ
قصة قصيرة للأديب / محمد شعبان
_______________________
أفاق( رامي ) هذا الصباح ككل صباح على ضوء ساطع بجانبه أبهر عينيه .. تذَكَّر أن بالأمس مات أبو صديقته ( نور العيون ) على الفور قام ودخل المطبخ وجَهَّزَ فطوره السريع ( عبوة مربى بالفراولة وقطعة جبنة نستو ورغيفين فينو ) وذهب يواسيها وسط حشد كبير من الأصدقاء والأقارب يتحدث والطعام في فمه يتبعه بمصة من علبة عصير بالتفاح التقطها توا من يد أمه التي مرت على الجميع وهي عائدة من السوق فقط وقفت تكلمه بصوت مرتفع قائلة :ـ انتظر اتصالا تليفونيا الليلة من أبيك من ( أبو ظبي )، ولم تلتفت لأحد وكأنها على خلاف مع أهل ( نور العيون ) ولم تتأثر بالحالة القاسية التي تمر بها ( نور العيون ) وكل هؤلاء الحاضرين وأردفت قائلة بصوت مرتفع وقد ولَّتْه ظهرها : أأحضر لك زجاجة ماء معدنية يا رامي ؟ :ـ لا يا أمي معي واحدة .. ( نور العيون ) في حداد ويكسوها السواد ولا تستطيع الكلام مع أي أحد تركت الحاضرين وما زال الأصدقاء يدلفون ويواسون لا تبدو عليهم أي علامات للغرابة ورامي يجلس يتناول فطوره السريع في مثل هذه المناسبة وفي يده علبة عصير التفاح ولا يراعي لهذه المناسبة قدسية ، بل ويتحدث في السر مع آخرين عن بعض مشاهد من فيلم خليع جديد شاهده بالأمس ولمَّا يشاهده أحد غيره وأعطى رابطه على الشابكة لكل أصدقائه من أصحاب هذه الاهتمامات الإباحية .. قام ( شهاب الدين ) يُذَكِّر بوجوب الإكثار من الأعمال الصالحة من أجل هذه النهاية المحتومة والمكتوبة على كل العالمين ويدعو للفقيد بالرحمة وللأهل بالصبر والسلوان ..... لكن ( رامي ) في عالم آخر .. لفتت نظر ( رامي ) في حفل التأبين صديقةٌ لم يتحدث معها منذ فترة ( حنين القلب ) بينهما مشاعر لا يستطيع هو تفسيرها حتى الآن لكنها لا ترقى للحب الحقيقي الذي ينشده .. تَعَّرفَ عليها في مناسبة حفل تخرج ( وحيد روميو ) والذي لم ينو حضورها أصلا فـ ( وحيد ) في مثل سنه ونفس دفعته بالكلية إلا أنه سبقه في التخرج .. أعجبه لون عينيها وقصة شعرها وأحمر شفاهها الذي جعل منها نسخة من ( جومانا مراد ) مر بنظره عليها ورأى أنه ليس من المناسب أن يحدثها أمام كل هذا الحشد فأشار إليها، وترك الجميع هنا وذهب يتحدث معها .. أول ما قالته إنها انتظرت منه هدية عيد ميلادها الذي كان بالأمس ولم يسأل عنها، وقبل أن تكمل كلامها أحضر لها على الفور باقة من الزهور باهظة الثمن لأنها من الصديقات المقربات يتواعدان كثيرا وبينهما كثير من الخصوصيات .. لكن فجأة حدث اضطراب في المكان وسمع دوي انفجار عال قالوا إنها عملية إرهابية جديدة ويوجد ضحايا من المدنيين والشرطة هرع الجميع لمكان الحادث .. لكن ( حنين القلب ) استأذنت لأنها لا تريدها أن ترى هذه المناظر، فاعتذرت للجميع ووقفت بعيدا تسمع الأخبار المنقولة فقط ، فتركها وذهب يتفقد موقع الحادث فلم يجد شيئا اكتشف أنه مجرد تصادم سيارتين إحداهما تاكسي والآخر جرار بمقطورة وكان صاحب الأخير مخمورا أو مخدرا كالعادة نجمت عنه ألسنة لهب حسبها الجميع عملية إرهابية وتوجد بعض الإصابات الخفيفة، الإسعاف والمطافئ في المكان لم يشغله الحدث كثيرا والذي اكتشف أنه مجرد إشاعة من بين آلاف الإشاعات التي يسمعها يوميا ولا أصل لها من الصحة ومع ذلك ينجرف كثير من الناس وراءها بدون أي تثبت ... لم يشارك بشيء ، وهَمَّ راجعا وفي طريقه تقابله أمه بكوب ( كبتشيون ) ساخن بطعم الفانيلا الذي يعشقه أخذه منها وانطلق في طريقه .. أشار له( هاني الجسور ) أحد أصدقائه فغير طريقه وذهب إليه مسرعا ليخبره أن الليلة حفل زفافه بكنيسة ماري جرجس وينتظر الهدايا من كل الأصدقاء .. لم يُظهر ( رامي ) فرحة تُذكر بالخبر فـفكرة الزواج لا تراود (رامي) هذه الأيام منذ فسخ خطبته الرابعة من ( علياء ) بنت الجيران لأن أمها طلبت أن يَضُمَّ النجف لقائمة الأشياء المُطالَب بإحضارها في الشقة التي اشتراها له أبوه في إحدى المدن العمرانية الجديدة وعندما أوضحت أمه لها ـ وهي المتحدثة باسم ( رامي ) في مثل هذه الأمور ـ أن هذا لم يُتفق عليه أصرت أم ( علياء ) فاتصلت أم ( رامي ) بأبيه في ( أبو ظبي ) لأنه هو المتكفل بكل مصاريفه ، فـ ( رامي ) ما زال طالبا بـ ( الفرقة الرابعة حقوق ) ورسب مرتين حتى الآن ، وفي آخر اتصال له من أبيه رجاه أبوه في أن ينجح هذا العام بأي تقدير ليلحق به للعمل في الشركة التي يعمل بها منذ أكثر من عشر سنوات .. ومنذ فسخ ( رامي ) ، أو بالأحرى فسخت أم ( رامي ) آخر خطوبة له وحتى يعثرعلى شريكة مناسبة يقضي وقته تعارفًا وصداقات عابرة، وأي أخبار عن خطبة أو زواج لا تلقى اهتماما منه ، لكنه و ( هاني الجسور ) صديقان مقربان لذلك ذهب على الفور وأحضر لـه سيارة زفاف مزينة بأرقى الزينات ( كادو ) تعبيرا له عن فرحته بدخلته وتمنى له زواجًا سعيدًا ..
توقف رامي ليتصل بأحد أرقام ( الدليفري ) فقد حل موعد الغداء ويشعر بالجوع بينما تقع عينه على هذا الصبي المنكب على كومة من القمامة يجمع منها الزجاجات البلاستيكية وعلب الكنز والكرتون ويتناول بعضًا من الطعام ويأكله من القمامة وسط جوٍّ ممرض وشمسٍ حارقةٍ وحوله مجموعة من القطط والكلاب وأسراب لا عد لها من الذباب والحشرات الزاحفة.. لم يُرحه هذا المنظر المقزز، وطفق هاربًا من الواقع المرير الذي يقاسيه عشرات الألاف من أمثال هذا الصبي آكل القمامة يبحث في ذاكرته عن شيء ينسيه هذا المشهد المقرف، فذهب يتفقد حالة الطقس في الساحل الشمالي من خلال برنامج حالة الطقس في هاتفه الذكي الساحل الشمالي الذي لم يذهب إليه منذ أغسطس الماضي وسبح بفكره في آخر رحلة له والتي استغرقت أسبوعًا في فندق سبع نجوم على الشاطئ مباشرة ( أحلى طعام وأحلى مناظر وأحلى خروجات وأحلى سهرات مع الشباب والبنات ) رحلةٌ تُنسِّي الدنيا وما فيها .. ترك ( رامي ) هذا الصبي آكل القمامة وهذا الجو الحار المحرق الممرض وتنحى بعيدا ينتظرغداءه وسائق ( الدليفري ) الذي حضر بسرعة رغم الزحام وحرارة الجو أخذه وانطلق حيث أصدقاؤه ( هناء الروح ) ، و ( الأدهم ) ، و( صفاء الروح ) ، و ( ابن عز ) كانوا جميعًا مجتمعين لتناول الغداء وكل واحد منهم يضع غداءه ويدعو الجميع لتناوله معه .. احتقر ( رامي ) غداءه بجانب كل صنوف الطعام المعروضة فقام وطلب مزيدا من ( الدليفري ) ليرى أصدقاؤه والبنات أنه كريم وغني ... انبرى ( شادي الجيل ) ونادي في الجميع أن كل الأصدقاء مدعوون لمناسبة عرض أزياء على شرف ( هيفاء وهبي ) و ( أليسا ) وافق رامي على الفور وذهب مع الجميع .. أعجب كثيرا بالأزياء المعروضة وبهره عدد الحاضرين الذين بلغوا الخمسين ألفا ويزيدون .. يتمايل على أصوات الموسيقى الصاخبة التي طالما استجارت منها أمه من علو صوتها وهبوطها اللذان فاقا الحد بينما يلتهم شغل البيت والوظيفة جل جهدها وطاقتها ، ولا تستطيع أن تتحمل كل هذا العبء وحدها فمراقبة شاب في هذه السن وتحت هذه الظروف أمر صعب للغاية على أي أم عاملة ...
ما زال هو رغم كل هذه الظروف في حفل الأزياء العالمية تتعلق عينه بجمال التصميمات المقدمة والتي تعرضها موديلات أجنبيات باهرات الجمال .... بعض الأصدقاء استأذنوا لأداء الصلاة لكنهم عادوا في لمح البصر وأكملوا الحفل كمن يصلي وهو يتابع المسلسل حتى لا يفوته حدث من أحداثه فيُفقد بذلك الصلاةَ وظيفتها كوسيلة من وسائل راحة القلب وطمأنينته وطاقةٍ نجدد بها إيمانَنَا وصِلَتَنَا بالله عز وجل ..
يبدو أن كَمَّ المواقف التي تعرَّض لها (رامي ) اليوم وكل هذه اللقاءات والشمس الحارقة أرهقته .. ( رامي ) يشعر بالصداع .. قدمت له ( نور العيون ) بعض الأقراص المضادة للصداع وكوب ماء بينما ( هاني الجسور ) كان منشغلا بالتجهيز لزفافه، و ( شادي الجيل ) اكتفى بقوله :ـ ما لك يا بطل ؟ ، أما ( حنين القلب ) فأخذت تلوح له من بعيد بإشارات فهم منها أنها تشعر بالغيرة من وجود ( نور العيون ) وتشك في وجود علاقة بينهما وتطلب منه أن يقطع علاقته بها فورا.. حاول أن يأخذها بالصوت قبل أن تغلبه فصرخ بها قائلا :ـ أنت لا تشعرين بما أعانيه أنا أقاسي صداعًا في رأسي وإرهاقا بعيني وألاما في ظهري، وأنت تتحدثين في ماذا ؟ .. ثم انصرف عنها بلا استئذان لأن اتصال أبيه المصور المرتقب ورد له الآن من ( أبو ظبي ) .. أبوه يعمل هناك ولم يره منذ ثلاث سنوات منذ آخر زيارة له .. فقط يقدم له النصائح والتوجيهات عبر الرسائل المصورة ، وذلك أقوى الظروف التي ألجأته للتعرف على تلك الأشباح !!
فتح ( رامي ) الخط .. جملة واحدة قالها أبوه :ـ أقْفِلِ الزِّفْت وذَاكرْ يا غبي .. أغلق ( رامي ) ( أكونت رامي البطل ) الذي يعرفه أبوه وفتح بكبسة زر واحدة (أكونت الأسد الجريح ) الذي يتحدث به مع خصوص الخصوص من أشباح الشابكة، وأكمل سهرته إلى أن غَطَّ في نومٍ عميقٍ وترك ( اللاب توب ) مفتوحًا بجانبه كالعادة بينما المؤذن يردد الصلاة خيرٌ من النوم .
( ظروف وأشباح )
ـــــــــــــــــــــــــــ
قصة قصيرة للأديب / محمد شعبان
_______________________
أفاق( رامي ) هذا الصباح ككل صباح على ضوء ساطع بجانبه أبهر عينيه .. تذَكَّر أن بالأمس مات أبو صديقته ( نور العيون ) على الفور قام ودخل المطبخ وجَهَّزَ فطوره السريع ( عبوة مربى بالفراولة وقطعة جبنة نستو ورغيفين فينو ) وذهب يواسيها وسط حشد كبير من الأصدقاء والأقارب يتحدث والطعام في فمه يتبعه بمصة من علبة عصير بالتفاح التقطها توا من يد أمه التي مرت على الجميع وهي عائدة من السوق فقط وقفت تكلمه بصوت مرتفع قائلة :ـ انتظر اتصالا تليفونيا الليلة من أبيك من ( أبو ظبي )، ولم تلتفت لأحد وكأنها على خلاف مع أهل ( نور العيون ) ولم تتأثر بالحالة القاسية التي تمر بها ( نور العيون ) وكل هؤلاء الحاضرين وأردفت قائلة بصوت مرتفع وقد ولَّتْه ظهرها : أأحضر لك زجاجة ماء معدنية يا رامي ؟ :ـ لا يا أمي معي واحدة .. ( نور العيون ) في حداد ويكسوها السواد ولا تستطيع الكلام مع أي أحد تركت الحاضرين وما زال الأصدقاء يدلفون ويواسون لا تبدو عليهم أي علامات للغرابة ورامي يجلس يتناول فطوره السريع في مثل هذه المناسبة وفي يده علبة عصير التفاح ولا يراعي لهذه المناسبة قدسية ، بل ويتحدث في السر مع آخرين عن بعض مشاهد من فيلم خليع جديد شاهده بالأمس ولمَّا يشاهده أحد غيره وأعطى رابطه على الشابكة لكل أصدقائه من أصحاب هذه الاهتمامات الإباحية .. قام ( شهاب الدين ) يُذَكِّر بوجوب الإكثار من الأعمال الصالحة من أجل هذه النهاية المحتومة والمكتوبة على كل العالمين ويدعو للفقيد بالرحمة وللأهل بالصبر والسلوان ..... لكن ( رامي ) في عالم آخر .. لفتت نظر ( رامي ) في حفل التأبين صديقةٌ لم يتحدث معها منذ فترة ( حنين القلب ) بينهما مشاعر لا يستطيع هو تفسيرها حتى الآن لكنها لا ترقى للحب الحقيقي الذي ينشده .. تَعَّرفَ عليها في مناسبة حفل تخرج ( وحيد روميو ) والذي لم ينو حضورها أصلا فـ ( وحيد ) في مثل سنه ونفس دفعته بالكلية إلا أنه سبقه في التخرج .. أعجبه لون عينيها وقصة شعرها وأحمر شفاهها الذي جعل منها نسخة من ( جومانا مراد ) مر بنظره عليها ورأى أنه ليس من المناسب أن يحدثها أمام كل هذا الحشد فأشار إليها، وترك الجميع هنا وذهب يتحدث معها .. أول ما قالته إنها انتظرت منه هدية عيد ميلادها الذي كان بالأمس ولم يسأل عنها، وقبل أن تكمل كلامها أحضر لها على الفور باقة من الزهور باهظة الثمن لأنها من الصديقات المقربات يتواعدان كثيرا وبينهما كثير من الخصوصيات .. لكن فجأة حدث اضطراب في المكان وسمع دوي انفجار عال قالوا إنها عملية إرهابية جديدة ويوجد ضحايا من المدنيين والشرطة هرع الجميع لمكان الحادث .. لكن ( حنين القلب ) استأذنت لأنها لا تريدها أن ترى هذه المناظر، فاعتذرت للجميع ووقفت بعيدا تسمع الأخبار المنقولة فقط ، فتركها وذهب يتفقد موقع الحادث فلم يجد شيئا اكتشف أنه مجرد تصادم سيارتين إحداهما تاكسي والآخر جرار بمقطورة وكان صاحب الأخير مخمورا أو مخدرا كالعادة نجمت عنه ألسنة لهب حسبها الجميع عملية إرهابية وتوجد بعض الإصابات الخفيفة، الإسعاف والمطافئ في المكان لم يشغله الحدث كثيرا والذي اكتشف أنه مجرد إشاعة من بين آلاف الإشاعات التي يسمعها يوميا ولا أصل لها من الصحة ومع ذلك ينجرف كثير من الناس وراءها بدون أي تثبت ... لم يشارك بشيء ، وهَمَّ راجعا وفي طريقه تقابله أمه بكوب ( كبتشيون ) ساخن بطعم الفانيلا الذي يعشقه أخذه منها وانطلق في طريقه .. أشار له( هاني الجسور ) أحد أصدقائه فغير طريقه وذهب إليه مسرعا ليخبره أن الليلة حفل زفافه بكنيسة ماري جرجس وينتظر الهدايا من كل الأصدقاء .. لم يُظهر ( رامي ) فرحة تُذكر بالخبر فـفكرة الزواج لا تراود (رامي) هذه الأيام منذ فسخ خطبته الرابعة من ( علياء ) بنت الجيران لأن أمها طلبت أن يَضُمَّ النجف لقائمة الأشياء المُطالَب بإحضارها في الشقة التي اشتراها له أبوه في إحدى المدن العمرانية الجديدة وعندما أوضحت أمه لها ـ وهي المتحدثة باسم ( رامي ) في مثل هذه الأمور ـ أن هذا لم يُتفق عليه أصرت أم ( علياء ) فاتصلت أم ( رامي ) بأبيه في ( أبو ظبي ) لأنه هو المتكفل بكل مصاريفه ، فـ ( رامي ) ما زال طالبا بـ ( الفرقة الرابعة حقوق ) ورسب مرتين حتى الآن ، وفي آخر اتصال له من أبيه رجاه أبوه في أن ينجح هذا العام بأي تقدير ليلحق به للعمل في الشركة التي يعمل بها منذ أكثر من عشر سنوات .. ومنذ فسخ ( رامي ) ، أو بالأحرى فسخت أم ( رامي ) آخر خطوبة له وحتى يعثرعلى شريكة مناسبة يقضي وقته تعارفًا وصداقات عابرة، وأي أخبار عن خطبة أو زواج لا تلقى اهتماما منه ، لكنه و ( هاني الجسور ) صديقان مقربان لذلك ذهب على الفور وأحضر لـه سيارة زفاف مزينة بأرقى الزينات ( كادو ) تعبيرا له عن فرحته بدخلته وتمنى له زواجًا سعيدًا ..
توقف رامي ليتصل بأحد أرقام ( الدليفري ) فقد حل موعد الغداء ويشعر بالجوع بينما تقع عينه على هذا الصبي المنكب على كومة من القمامة يجمع منها الزجاجات البلاستيكية وعلب الكنز والكرتون ويتناول بعضًا من الطعام ويأكله من القمامة وسط جوٍّ ممرض وشمسٍ حارقةٍ وحوله مجموعة من القطط والكلاب وأسراب لا عد لها من الذباب والحشرات الزاحفة.. لم يُرحه هذا المنظر المقزز، وطفق هاربًا من الواقع المرير الذي يقاسيه عشرات الألاف من أمثال هذا الصبي آكل القمامة يبحث في ذاكرته عن شيء ينسيه هذا المشهد المقرف، فذهب يتفقد حالة الطقس في الساحل الشمالي من خلال برنامج حالة الطقس في هاتفه الذكي الساحل الشمالي الذي لم يذهب إليه منذ أغسطس الماضي وسبح بفكره في آخر رحلة له والتي استغرقت أسبوعًا في فندق سبع نجوم على الشاطئ مباشرة ( أحلى طعام وأحلى مناظر وأحلى خروجات وأحلى سهرات مع الشباب والبنات ) رحلةٌ تُنسِّي الدنيا وما فيها .. ترك ( رامي ) هذا الصبي آكل القمامة وهذا الجو الحار المحرق الممرض وتنحى بعيدا ينتظرغداءه وسائق ( الدليفري ) الذي حضر بسرعة رغم الزحام وحرارة الجو أخذه وانطلق حيث أصدقاؤه ( هناء الروح ) ، و ( الأدهم ) ، و( صفاء الروح ) ، و ( ابن عز ) كانوا جميعًا مجتمعين لتناول الغداء وكل واحد منهم يضع غداءه ويدعو الجميع لتناوله معه .. احتقر ( رامي ) غداءه بجانب كل صنوف الطعام المعروضة فقام وطلب مزيدا من ( الدليفري ) ليرى أصدقاؤه والبنات أنه كريم وغني ... انبرى ( شادي الجيل ) ونادي في الجميع أن كل الأصدقاء مدعوون لمناسبة عرض أزياء على شرف ( هيفاء وهبي ) و ( أليسا ) وافق رامي على الفور وذهب مع الجميع .. أعجب كثيرا بالأزياء المعروضة وبهره عدد الحاضرين الذين بلغوا الخمسين ألفا ويزيدون .. يتمايل على أصوات الموسيقى الصاخبة التي طالما استجارت منها أمه من علو صوتها وهبوطها اللذان فاقا الحد بينما يلتهم شغل البيت والوظيفة جل جهدها وطاقتها ، ولا تستطيع أن تتحمل كل هذا العبء وحدها فمراقبة شاب في هذه السن وتحت هذه الظروف أمر صعب للغاية على أي أم عاملة ...
ما زال هو رغم كل هذه الظروف في حفل الأزياء العالمية تتعلق عينه بجمال التصميمات المقدمة والتي تعرضها موديلات أجنبيات باهرات الجمال .... بعض الأصدقاء استأذنوا لأداء الصلاة لكنهم عادوا في لمح البصر وأكملوا الحفل كمن يصلي وهو يتابع المسلسل حتى لا يفوته حدث من أحداثه فيُفقد بذلك الصلاةَ وظيفتها كوسيلة من وسائل راحة القلب وطمأنينته وطاقةٍ نجدد بها إيمانَنَا وصِلَتَنَا بالله عز وجل ..
يبدو أن كَمَّ المواقف التي تعرَّض لها (رامي ) اليوم وكل هذه اللقاءات والشمس الحارقة أرهقته .. ( رامي ) يشعر بالصداع .. قدمت له ( نور العيون ) بعض الأقراص المضادة للصداع وكوب ماء بينما ( هاني الجسور ) كان منشغلا بالتجهيز لزفافه، و ( شادي الجيل ) اكتفى بقوله :ـ ما لك يا بطل ؟ ، أما ( حنين القلب ) فأخذت تلوح له من بعيد بإشارات فهم منها أنها تشعر بالغيرة من وجود ( نور العيون ) وتشك في وجود علاقة بينهما وتطلب منه أن يقطع علاقته بها فورا.. حاول أن يأخذها بالصوت قبل أن تغلبه فصرخ بها قائلا :ـ أنت لا تشعرين بما أعانيه أنا أقاسي صداعًا في رأسي وإرهاقا بعيني وألاما في ظهري، وأنت تتحدثين في ماذا ؟ .. ثم انصرف عنها بلا استئذان لأن اتصال أبيه المصور المرتقب ورد له الآن من ( أبو ظبي ) .. أبوه يعمل هناك ولم يره منذ ثلاث سنوات منذ آخر زيارة له .. فقط يقدم له النصائح والتوجيهات عبر الرسائل المصورة ، وذلك أقوى الظروف التي ألجأته للتعرف على تلك الأشباح !!
فتح ( رامي ) الخط .. جملة واحدة قالها أبوه :ـ أقْفِلِ الزِّفْت وذَاكرْ يا غبي .. أغلق ( رامي ) ( أكونت رامي البطل ) الذي يعرفه أبوه وفتح بكبسة زر واحدة (أكونت الأسد الجريح ) الذي يتحدث به مع خصوص الخصوص من أشباح الشابكة، وأكمل سهرته إلى أن غَطَّ في نومٍ عميقٍ وترك ( اللاب توب ) مفتوحًا بجانبه كالعادة بينما المؤذن يردد الصلاة خيرٌ من النوم .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق