الثلاثاء، 21 يوليو 2015

عزرائيل يحاورني / قصيدة الشاعر / جابر السوداني / العراق


عزرائيل يحاورني
جابــر السوداني
تتآكلُ أطرافي السفلى
وتذوبُ تباعاً 
في أوعيةِ الملحِ المرّْ.
يا هـذا الفزعُ الخائفُ
من جرحي الغائرِ في خاصرتي
والموغلِ في الـقِـدَمِ الأزليِّ
سلامٌ ،
أنتَ الليلةَ ضيفي وصديقُ صباي
سأشاطرُكَ الوقتَ غناءً
بدويِّ النكهةِ
وأذوبُ بقهـوتِـكَ الكحـليةِ
عسلاً جبلياً وحبورْ.
لا يحزنكَ بكائي المتواصلُ
منـذُ الأزلِ عويلاً موتوراً كالريحِ
يئـنُّ بمسمعِـكَ
المتـرصدِ دومـاً والأشجـارْ.
لا تخشاني
أنتَ النصلُ المرهفُ في خاصرتي
أنتَ سنانُ الرمحِ المقبلِ
وصريخُ السيفْ.
وأنا الجرحُ النازفُ قلقاً حـدَّ الموتْ.
سلامٌ
إذا يهبطُ ليلُ العرسِ هنا
خمراً عسلياً في شفتيَّ اليابستينْ.
ورداً شبقياً زهــريَّ اللونْ.
وضوءً فضياً يغشاني
من أخمصِ قدميَّ المغروزةِ
في عمقِ الرملِ الساخنِ
حتى رأسي الممتلئِ عناداً
بدوياً وجنونْ.
فوقَ قميصي المتآكلِ إرباً
من ملحِ الأسفارِ ومن خيباتي
الخمسينْ.
سأخلعُ عن روحي جلبابَ تغرِّبها
أرجمُـهُ بمخاضِ الساعاتِ الحبلى
وبطعمِ الأرقِ القادمِ من
عمقِ الأرقِ ومن ظلماتِ الذاتْ.
سلامٌ يا سيدَ أوجاعي
ماذا خبأتَ
بطيِّ عباءتِـكَ الوارفةِ الظّلِ
رغباتي المكبوتةَ منذُ صباي
أو جرحي المتطاولَ وجعاً
من أخمصِ قدمي لرأسي
أو خطوي الضائعِ في ظلماتِ
التيهِ جهاراً
أو أحفادي المفترضينْ.
أفواهً تتربصُ في الغيبِ بأشلائي
تأكلُ من لحمي المهروسِ
ولائمَ وخطايا
تمتدُّ إلى أبعدِ من قطبِ الأرضِ النائي.
سأبوءُ بذنبي مدحوراً
إذ يسألني القاطنُ بيتي
من أنتَ ؟؟؟
حينَ أعودُ على مضضٍ محنياً
كالعرجونْ.
سأقلبُ وجهي مذهولاً بينَ
شقوقِ الجدرانِ المتهالكةِ الطولْ.
وبينَ رتاجِ البابِ الكالحِ
والمنعطفِ المقفرِ منذُ رحلتْ.
دهورٌ مـرَّتْ والدارُ هي الدارْ.
لم يتغيرْ شيءٌ إلا وجهي
مأهولاً كان فناؤكِ يا أختَ الجنةِ
بالأنسِ بالضحكاتِ العذراءْ.
أين توارى من ساحتِـكِ
خريرُ الهمسِ الدافئِ في رابعةِ الليلْ.
يأخذني من فرطِ ذهولي
صوتُ الذكرى
يحرقني مثلَ الصندلِ عـندَ
غروبِ الشمسِ الصفراءِ على
أبوبِ البيتِ الموحشِ
رويدُكَ يا بيتَ الطينِ النائيَّ
أتدري ماذا أبقيتَ بعمري
هل أنبأكَ الركبُ الوافـدُ
من عمقِ الجرحِ المستعرِ رزايا
إني سأموتُ الليلةَ وجعاً
وسينطفئُ بريقُ الذكرى
الراسخُ منـذُ عقـودٍ ويؤولُ هباءْ.
عُـمُـرٌ مـرَّ
وأنا ذاكـرةٌ معطوبةْ.
خلفني البدوُ الرحَّـلُ
مغروساً في رمضاءِ الربعِ الخالي
لم يلتفتْ الغادونَ لوجهي
ولا عانقتُ سحابَ البرِ
الوافـدِ مـن عمـقِ اللجَّـةِ
عقودٌ تمضي
وأنا أجتـرُّ تعاقـبَها المترنحَ
في رمضاءِ الـربـعِ الخالي
لا ظللني
رداءُ الريحِ الشرقيةِ من عطشِ
الأبعادِ المـرّْ.
ولا ساورني أدنى شـكٍّ
بأني المهزومُ الأسوأُ حظّا
في تأريخِ الظلمْ الشرقي.
عـُمُـرٌ مـرَّ
وأنا أتسكعُ بين فروضِ الطاعةِ
للسلطانِ الجاهلِ وبينَ صقيعِ المنفى
من أين أتيتَ الليلةَ
من أي سماءٍ أمطـرَكَ الحظُ العاثرُ
تعساً لخطاكَ المجبولةِ
منذُ الأزلِ على أرصفةِ التيهِ الغاشمِ
تعساً لعويلِ الشجنِ المتناوحِ
في دمِـكِ المنبوذِ خطايا
أنتَ الليلةَ ستزاحمني بعضُ هدوئي
تتوالي الساعاتُ
وأنت ثقيـلٌ تتـوسدُ جـرحي
ملحاً مخلوطاً بالجمرِ اللاهثِ
والكبريتْ.
ما بالكَ لا تسمعُ صوتَ الجرحِ
رويداً
يتطاولُ نحوَ شغافِ القلبِ الميت.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق