السبت، 1 نوفمبر 2014

قراءة في قصيدة حميد الغرابي بقلم ناظم ناصر


قرأه لقصيدة الشاعر العراقي المبدع حميد تقي الغرابي ( انتصار الدم )
بقلمي :- ناظم ناصر
31\10\2014
الشاعر حميد تقي هادئ بطبعه قليل الكلام طويل التفكير غزير العلم و الثقافة دمث الأخلاق محبوب من الجميع تجده يتأمل دائما وعيناه تتكلم أكثر من لسانه وهو يعود بنا بشعره الى الأصول الأولى للشعر حيث كان الشعراء الأوائل الذين حفروا سمائهم على صخرة المجد ونحتوا كلماتهم بدمائهم ليرتقوا بالشعر وليجعلوه بعد ذلك ديوان العرب
فالشاعر ذات لغة مميزة ومفردة تجعلك تشعر بأنك تقرأ شعراً حقيقياً من شاعر حقيقي يعي ما يقول ويتفنن بأسلوبه الفذ وموهبته الراقية وقصيدته التي سنتناولها في هذا المقال كمتذوقين للشعر هي قصيدة (انتصار الدم ) و التي هي من البحر الوافر وتذكرنا بمعلقة عمرو بن الكلثوم التغلبي والقصيدة جميلة لما تحمله من رقة المعاني وعذوبة الكلمات و جزالة اللفظ ورصانة الفكرة والتسلسل المنطقي للأفكار و الموسيقى الداخلية التي يحمل رنينها الكلمات من خلال الجمل والصور التي تعبر عنها والقصيدة بمجملها تروي حكاية الأمام الحسين عليه السلام ورحيله من المدينة الى مكة ثم توجهه الى كربلاء في العراق حيث استشهد هو و أصحابه في موقعة الطف
و القصيدة تبدأ بالغزل متخذا الشاعر طريقة و أسلوب الشعراء القدامى عندما كانت قصائدهم تبدأ الغزل فهو يطلب من السيدة التي يخاطبها أن تتغنى بالأطايب و تطرب السامعين ويحدد بعد ذلك من هم الأطايب أنهم الذين أناخوا بمكة والمدينة هو الأمام أبو عبد الله الحسين عليه السلام خامس أصحاب الكساء سبط النبي المختار محمد صلى الله عليه واله وسلم سيد شباب أهل الجنة و أهل بيته الذي رحل بهم من مدينة جده رسول الله صلى الله عليه واله وسلم تسليما كثيرا مرغما من تسلط و تعسف السلطة الخاشمة التي كان تحكم البلاد سلطة بني أميه حيث طلبوا منه أن يبايع يزيد بن معاوية فرض الأمام الحسين عليه السلام و قال نحن أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ويزيد فاسق شارب الخمر وقاتل النفس ومثلى لا يبايع مثله ومن ثم يذهب الأمام الى قبر جده رسول الله صلى الله عليه واله وسلم
فصلى ركعات فلما فرغ من صلاته جعل يقول : اللهم هذا قبر نبيك محمد ( ص ) وأنا ابن بنت نبيك وقد حضرني من الأمر ما قد علمت ، اللهم أنى أحب المعروف وأنكر المنكر وإني أسألك يا ذا الجلال والإكرام بحق هذا القبر و من فيه الا اخترت من أمري ما هو لك رضى ولرسولك رضى وللمؤمنين رضى ، ثم جعل يبكى عند القبر حتى إذا كان قريبا من الصبح وضع رأسه على القبر فأغفى فإذا هو برسول الله قد أقبل في كتيبة من الملائكة عن يمينه وشماله وبين يديه ومن خلفه فجاء وضم الحسين إلى صدره وقبل بين عينيه وقال " حبيبي يا حسين كأني أراك عن قريب مرملا بدمائك ، مذبوحا بأرض كربلاء ، بين عصابة من أمتي ، وأنت في ذلك عطشان لا تسقى ، وظمآن لا تروى ، وهم في ذلك يرجون شفاعتي ، ما لهم لا أنالهم الله شفاعتي ما لهم لا أنالهم الله شفاعتي يوم القيامة ، وما لهم عند الله من خلاق ، حبيبي يا حسين ان أباك وأمك وأخاك تنالها الا بالشهادة
ويبدأ الشاعر بعد هذا بوصف كيف أقفرت بيوت آل البيت من اصحبها بعد أن استشهدوا في معركة الطف حيث كانت معركة الحق ضد الباطل التي انتصر بها الدم على السيف و الحق على الباطل وكان استشهاد أبى عبد الله الحسين منارا يضيء للعالم طريق الحق وثوره مستمرة على الطغيان والباطل والفساد فقد كان شعار الأمام أنى لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما و أنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي ( ص )
وخرج الأمام و أهل بيته نحو مكة وهو يتلو ) فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجنى من القوم الظالمين( لقد كان الموكب القليل العدد العظيم الإرادة الذي زحف به الحسين من مدينة جده الرسول الخالد محمد (ص) إلى مكة المكرمة، ليقرر هناك مستقبل المسيرة الخالدة. ولقد اجتمعت الكوكبة من آل البيت النبوي (ع) حول الحسين وسلكت درب الكفاح الطويل، فقد اصطحب الحسين (ع) معه أخوته وأبناءه وبني أخيه وجل أهل بيته
المسافة شاسعة والأرض مديدة ورمال الصحراء توقدها حرارة الشمس اللافحة وموكب الحسين (ع) يخترق قلب الصحراء ويجتاز كثبان الرمال و لوافح الحصى. وهكذا سارت كواكب الفداء وطلائع الجهاد تيمم وجهها شطر البيت الحرام لتنتهي إلى أرض الطفوف كربلاء، إلى مثوى الخالدين ومنار الأحرار
أمست المدينة موحشة تبكي سيدها الراحل والقلوب يعتصرها الأسى والنفوس يفترسها الألم
حلّ الحسين (ع) في مهبط الوحي ومدينة السلام مكة المكرمة، فنزل في دار العباس بن عبد المطلب. و سرى نبأ قدوم الحسين (ع) إلى مكة وانتشر خبر خروجه من المدينة ورفضه لبيعة الطاغية يزيد
و أنطلق الركب بعد ذلك يوم الثامن من ذي الحجة متوجها الى كربلاء في العراق حيث استشهد هو وال بيته وصحبه
وقد كان تعداد جيشه الصغير مكون من 72 فرد مقابل ثلاثون ألف مقاتل يقودهم اللعين عمر بن سعد بن أبي وقاص الذي عينه الدعي بن الدعي عبيد الله بن زياد و وعده أن هو قتل الأمام الحسين أن يوليه حكم الري واستشهد أبطال الحق واستشهد الأمام الحسين عليه السلام وقطع رأسه الشريف و رفع على الرماح بعد ما داسوا على جسده بالخيل وقبل ذلك رموه بالحجارة والسهام والرماح وغار القوم على مخيم الأمام الحسين و اسروا بنات النبي و أخذوهن سبايا الى الشام
ألأَّ غَـنْي الاطـايبَ واطـرِبينا
بِـمنْ نـاخـوا بمـكةَ والـمديـنة
وردي الـصوتَ رَنَّـاتٍ بشجوٍ
وغـالي ما استَـطعتِ لهُ رنينا
ايـا سلمى فـكمْ بالـقلبِ شـكوى
اذا هـاجـتْ فـما رَقَبـتْ عيونا
ولا رَقَـبـتْ بِـمُـهجتِــنا ذِمـاراً
وقـد حَـلَّتْ كـأنَ الـمـوتَ فيـنا
مـنازلُ قـد خَـلَتْ منها شموساً
فَـكَلْـلَها الـعشـا فَـغَدتْ رهـينة
يـراوحُ صحـنَها اتـرابُ قــشٍّ
وعامِرُها مضى فَمَضتْ دفينة
وقــد كـانـتْ يُـجَـــلِلُـهـا وقـارٌ
وقــد رحلـتْ بـخـيرِ الأولـيـنا
ألأَّ يـا سَلْمُ فَلْـتَدعـي الـبواكي
فـهـلْ بـعدَ الحسـينِ لهُ بَـكـينا؟
وبعد أن ذكرنا هذا الموجز البسيط عن واقعة الطف وما جرى على الأمام أبو عبد الله الحسين وبينا مكان يقصده الشاعر في أبياته السابقة والتي بين بها كيف خلت بيوت النبوة من تلك الشموس الزاهرة
وبعد ذلك يشرع الشاعر بذكر نسب الشريف للأمام الحسين فهو من قريش هذه القبيلة والتي نسبها يرجع الى النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان
فـإنْ رِمتَ الـقبائلَ ذي قـريشٌ
تـقـادَمَ عـزُّهـا فـي الـعالـمـيـنا
و أن رمت البطون فهم من هاشم واسمه عمرو بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر
بن مالك بن النضر بن كنانة
وإنْ رِمـتَ البطونَ فخيرُ بطْنٍ
بـهاشِمَ مـا وجـدتَ لـهُ قـرينــا
و جدهم سيد البشر وخير البرية محمد صلى الله عليه واله وسلم تسليما كثيرا وهو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم
وإنْ رِمـتَ الأرومةَ من جدودٍ
فـخَــيرُ الـنـاسِ جـدهـمُ نَـبيـنـا
و أبيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم عليه السلام و أمه سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام بنت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم تسليما كثيرا
وإنْ رمـتَ الأبـوةَ مِـنْ فِـراشٍ
فـذاكَ الـمرتضى في الـعالمينا
وإنْ رِمــتَ الــسـؤالَ فــأيُ أُمٍّ
هـيَ الـزهراءُ قد حَمَلتْ حُسَينا
وأخوه قمر العشيرة أبو الفضل العباس عليه السلام الذي كان حامل لواء الأمام الحسين (ع) في واقعة الطف وكان العباس كما قال مالك الأشتر جيش لوحده ومن شجاعته انه كشف الأعداء عن المشرعة وكان عددهم اربعة الاف من اشد المقاتلين وكان يرتجز ويقول
لا أرهبُ الموتَ إذا الموتُ زَقَا***حتَى أُوارَى في المصاليتِ لُقَى
نفسِي لسبطِ المُصطفَى الطُهرِ وِقَا***إنّي أنَا العباسُ أغْدُو بالسِّقا
ولا أخافُ الشرَّ يَومَ المُلتقَى
وعندما وصل الى ماء الفرات وكان قلبه كجمرة نار من العطش لكنه تذكر عطش أخيه الحسين (ع) لم يشرب الماء و ملاء القربة على أمل لان يوصلها الى أخيه وأطفاله الذين لم يشربوا الماء منذ ثلاثة أيام لكنه قطعة يمينه وبعد ذلك شماله و أتته السهام من كل مكان فأصيبت عينه و ثقبت قربة الماء وضرب على رأسه بعمود حديد واستشهد بعدها
وإنْ رِمتَ الأخاءَ فذاك صوتٌ
بـهِ الـعباسُ يقـتلعُ الـحصــونا
يقول الأمام الشافعي رضوان الله عليه
يا آل بيت رسول الله حبكمُ فرضٌ من الله في القرآن أنزله
يكفيكم من عظيم الشأن أنكمُ من لم يصلِّ عليكم لا صلاة له
فكيف قتلهم هؤلاء الظالمون ألا لعنة الله على الظالمين
وهكذا سافرنا مع الشاعر حميد تقي الغرابي في قصيده هي ملحمة بين الحق والباطل و قد أجاد الشاعر بلغته الفريدة وصوره الجميلة من تصوير محنة آل بيت النبي والظلم الذي تعرضوا له على أيدي الطغاة فكانت ثورة الأمام الحسين ثورة دائمة على الظلم و الظالمين وهي الثورة الوحيدة في العالم، التي لو تسنّى لكل فرد مهما كان معتقده وفكرته أن يقرأ أحداثها بكل أبعادها وتفاصيلها، لما تمكّن من أن يملك دمعته وعبرته
قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم : " إن لقتل الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد أبدا. "
النص
( انتصار الدم )
ألأَّ غَـنْي الاطـايبَ واطـرِبينا
بِـمنْ نـاخـوا بمـكةَ والـمديـنة
وردي الـصوتَ رَنَّـاتٍ بشجوٍ
وغـالي ما استَـطعتِ لهُ رنينا
ايـا سلمى فـكمْ بالـقلبِ شـكوى
اذا هـاجـتْ فـما رَقَبـتْ عيونا
ولا رَقَـبـتْ بِـمُـهجتِــنا ذِمـاراً
وقـد حَـلَّتْ كـأنَ الـمـوتَ فيـنا
مـنازلُ قـد خَـلَتْ منها شموساً
فَـكَلْـلَها الـعشـا فَـغَدتْ رهـينة
يـراوحُ صحـنَها اتـرابُ قــشٍّ
وعامِرُها مضى فَمَضتْ دفينة
وقــد كـانـتْ يُـجَـــلِلُـهـا وقـارٌ
وقــد رحلـتْ بـخـيرِ الأولـيـنا
ألأَّ يـا سَلْمُ فَلْـتَدعـي الـبواكي
فـهـلْ بـعدَ الحسـينِ لهُ بَـكـينا؟
فـإنْ رِمتَ الـقبائلَ ذي قـريشٌ
تـقـادَمَ عـزُّهـا فـي الـعالـمـيـنا
وإنْ رِمـتَ البطونَ فخيرُ بطْنٍ
بـهاشِمَ مـا وجـدتَ لـهُ قـرينــا
وإنْ رِمـتَ الأرومةَ من جدودٍ
فـخَــيرُ الـنـاسِ جـدهـمُ نَـبيـنـا
وإنْ رمـتَ الأبـوةَ مِـنْ فِـراشٍ
فـذاكَ الـمرتضى في الـعالمينا
وإنْ رِمــتَ الــسـؤالَ فــأيُ أُمٍّ
هـيَ الـزهراءُ قد حَمَلتْ حُسَينا
وإنْ رِمتَ الأخاءَ فذاك صوتٌ
بـهِ الـعباسُ يقـتلعُ الـحصــونا
فـقفْ بينَ الاضاحيَّ في سؤالٍ
فـهل حـلَّ الالَـهُ دماً مَـصـونا؟
-----------------------
حميد الغرابي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق